هُوَ الْمُنَاسِبُ لِعُنْوَانِ الْبَابِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي غِنَى النَّفْسِ، فَإِنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْغِنَى وَالْفَرْدُ الْأَكْمَلُ فِي الْمَعْنَى، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ غِنَى الْيَدِ الْمُوجِبُ لِتَحْصِيلِ الْخَيْرَاتِ وَالْمَبَرَّاتِ فِي الدُّنْيَا، وَوُصُولِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَاتِ فِي الْعُقْبَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَحَقَّقَ بُرْهَانُهُ. (" الْخَفِيَّ ") . بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ: الْخَامِلَ الْمُنْقَطِعَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ الْمُشْتَغِلَ بِأُمُورِ نَفْسِهِ، أَوِ الْخَفِيَّ الْخَيْرِ بِأَنْ يَعْمَلَهُ وَيَصْرِفَ مَالَهُ فِي مَرْضَاةِ رَبِّهِ حَيْثُ لَا يُطْلِعَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، الشَّامِلَ لِلْفَقِيرِ أَيْضًا، كَمَا وَرَدَ: «حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَرُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ أَيِ: الْمُشْفِقَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَاهُ الْوَاصِلُ لِلرَّحِمِ اللَّطِيفُ بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ: الِاعْتِزَالُ أَفْضَلُ مِنَ الِاخْتِلَاطِ، وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الِاخْتِلَاطِ تَأَوَّلَ هَذَا بِالِاعْتِزَالِ فِي وَقْتِ الْفِتْنَةِ. أَقُولُ: أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَاطِ أَرْبَابِ الْبَطَالَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: أَرَادَ بِهِ الْخَفِيَّ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فِي نَوَافِلِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الرِّيَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْ لَا يَتَكَبَّرُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَفْتَخِرُ عَلَيْهِمْ بِالْمَالِ، بَلْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مُنْكَسِرَةً مِنَ التَّوَاضُعِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ قَلِيلَ التَّرَدُّدِ وَالْخُرُوجِ إِلَى نَحْوِ الْأَسْوَاقِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) أَيْ: مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ. وَفِي الْجَامِعِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ أَلْحَقَ بَعْدَ قَوْلِهِ: التَّقِيَّ، النَّقِيَّ بِالنُّونِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِهِ، وَلَا فِي الْحُمَيْدِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ.
(وَذُكِرَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: " «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَيْنِ ") أَيْ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا» (فِي " بَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ ") : صَوَابُهُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمُنَاسِبَيْنِ لِلْبَابَيْنِ بِاعْتِبَارِ الرَّجُلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِفَضْلِ الْقُرْآنِ خُصَّ بِهِ أَوَّلًا مُقَرَّرًا وَصَارَ الثَّانِي مُسْتَدْرَكًا مُكَرَّرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute