هَذَا " فَقَدْ أَسَاءَ " أَيْ: بِتَرْكِ السُّنَّةِ " وَتَعَدَّى ": أَيْ: حَدَّهَا بِالزِّيَادَةِ وَظَلَمَ: أَيْ: عَلَى نَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِأَنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ ثَوَابٍ لَهُ، أَوْ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَاءَ بِلَا فَائِدَةٍ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنَّمَا ذَمَّهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ - إِظْهَارًا لِشِدَّةِ النَّكِيرِ عَلَيْهِ، وَزَجْرًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ: هَذَا إِذَا زَادَ مُعْتَقِدًا أَنَّ السُّنَّةَ هَذَا، فَأَمَّا لَوْ زَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ نِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ اهـ.
قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُهُ: (لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ) فَفِيهِ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ التَّثْلِيثِ لَا وَجْهَ لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ فَلَا نِهَايَةَ لَهُ وَهُوَ الْوَسْوَسَةُ، وَلِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِظَاهِرِهِ فَقَالَ: لَا آمَنُ إِذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَنْ يَأْثَمَ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا إِلَّا مُبْتَلًى أَيْ بِالْجُنُونِ لِمَظِنَّةِ أَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ يَحْتَاطُ لِدِينِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَقَدْ شَاهَدْنَا مِنَ الْمُوَسْوَسِينَ مَنْ يَغْسِلُ يَدَهُ فَوْقَ الْمِئِينَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ أَنَّ حَدَثَهُ هُوَ الْيَقِينُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ فَفِيهِ أَنَّ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِعِبَادَةٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّجْدِيدُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّجَدُّدُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لَا فِي الْأَثْنَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أُمِرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إِلَخْ. فَفِيهِ أَنَّ غَسْلَ الْمَرَّةِ الْأُخْرَى مِمَّا يَرِيبُهُ، فَيَنْبَغِي تَرْكُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ، وَهُوَ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ لِيَتَخَلَّصَ عَنِ الرِّيبَةِ وَالْوَسْوَسَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: أَسَاءَ الْأَدَبَ بِالتَّسَاهُلِ فِي الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ الِازْدِيَادَ اسْتِنْقَاصٌ لِمَا اسْتَكْمَلَهُ الشَّرْعُ وَتَعَدٍّ عَمَّا حَدَّ لَهُ وَعَمَّا جَعَلَ غَايَةَ التَّكْمِيلِ وَظَلَمَ بِإِتْلَافِ الْمَاءِ وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لَا آمَنُ إِذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَنْ يَأْثَمَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ إِلَّا رَجُلٌ مُبْتَلًى - أَيْ: بِوَسْوَسَةٍ - أَوْ جُنُونٍ (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ (وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مَعْنَاهُ) : قَالَ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّخْرِيجِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَسَكَتَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute