للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَفُسِّرَتْ بِنَحْوِ الْحَيَاءِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالسَّخَاءِ، وَالتَّسَامُحِ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَخْلَاقِهِ تَعَالَى الْمَذْكُورَةِ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا. [ (فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ] أَيْ: هَذَا الذِّكْرُ فَوُضِعَ الْقَوْلُ مَوْضِعَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ بِلَفْظِ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَا مَوْضِعَ الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّهَا مَنْ أَصْلِهِ لَا مَنْ شُعَبِهِ، وَالتَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ خَارِجٌ عَنْهَا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا قِيلَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ الْإِقْرَارِ شَطْرَ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الشَّهَادَةَ لَإِنْبَائِهِ عَنِ التَّوْحِيدِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ الَّذِي لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ إِلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ، فَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ سَائِرُ الشُّعَبِ، أَوْ لِتَضَمُّنِهِ شَرْعًا مَعْنَى التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ وَالْتِزَامُهُ عُرْفًا سَائِرَ الْعِبَادَاتِ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَفْضَلُهَا مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يُوجِبُ عِصْمَةَ الدَّمِ وَالْمَالِ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ الزِّيَادَةُ الْمُطْلَقَةُ لَا عَلَى مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ أَيْ: الْمَشْهُورُ مِنْ بَيْنِهَا بِالْفَضْلِ فِي الْأَدْيَانِ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. [ (وَأَدْنَاهَا) ] أَيْ: أَقْرَبُهَا مَنْزِلَةً وَأَدْوَنُهَا مِقْدَارًا وَمَرْتَبَةً، بِمَعْنَى أَقْرَبُهَا تَنَاوُلًا وَأَسْهَلُهَا تَوَاصُلًا، مِنَ الدُّنُوِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ، فَهُوَ ضِدُّ: فُلَانٌ بَعِيدُ الْمَنْزِلَةِ، أَيْ: رَفِيعُهَا، وَمِنْ ثَمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَكَانَ أَفْضَلِهَا بِلَفْظِ: فَأَرْفَعُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَقْصَاهَا، أَوْ مِنَ الدَّنَاءَةِ أَيْ أَقَلُّهَا فَائِدَةً ; لِأَنَّهَا دَفْعُ أَدْنَى ضَرَرٍ [ (إِمَاطَةُ الْأَذَى) ] أَيْ: إِزَالَتُهُ، وَهُوَ مُصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمُؤْذِي، أَوْ مُبَالِغَةٌ، أَوِ اسْمٌ لِمَا يُؤْذِي بِهِ كَشَوْكَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ قَذَرٍ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْأَبْرَارِ: هُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ الذَّرَّ، وَلَا يَرْضَوْنَ الضُّرَّ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِمَاطَةُ الْعَظْمِ أَيْ: مَثَلًا [ (عَنِ الطَّرِيقِ) ] : وَفِي طَرِيقِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ أُرِيدَ بِالْأَذَى النَّفْسُ الَّتِي هِيَ مَنْبَعُ الْأَذَى لِصَاحِبِهَا وَغَيْرِهِ، فَالشُّعْبَةُ الْأُولَى مِنَ الْعِبَادَاتِ الْقَوْلِيَّةُ، وَالثَّانِيَةُ مِنَ الطَّاعَةِ الْفِعْلِيَّةِ، أَوِ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ تَرْكِيَّةٌ، أَوِ الْأُولَى مِنَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْحَقِّ وَالثَّانِيَةُ مِنَ الْمُجَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ، أَوِ الْأُولَى مِنَ التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالثَّانِيَةُ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، أَوِ الْأُولَى مِنَ الْقِيَامِ بِحَقِّ اللَّهِ وَالثَّانِيَةُ مِنَ الْقِيَامِ بِحَقِّ الْعِبَادِ، فَمَنْ قَامَ بِهِمَا صِدْقًا كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ حَقًّا [ (وَالْحَيَاءُ) ] : بِالْمَدِّ [ (شُعْبَةٌ) ] أَيْ: عَظِيمَةٌ [ (مِنَ الْإِيمَانِ) ] أَيْ: مِنْ شُعَبِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَيَاءُ الْإِيمَانِيُّ، وَهُوَ خُلُقٌ يَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْفِعْلِ الْقَبِيحِ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ؛ كَالْحَيَاءِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالْجِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ، لَا النَّفْسَانِيُّ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي النُّفُوسِ، وَهُوَ تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ مِنْ خَوْفِ مَا يُلَامُ وَيُعَابُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ مِنْ سَائِرِ الشُّعَبِ ; لِأَنَّهُ الدَّاعِي إِلَى الْكُلِّ ; فَإِنَّ الْحَيِيَّ يَخَافُ فَضِيحَةَ الدُّنْيَا وَفَظَاعَةَ الْعُقْبَى فَيَنْزَجِرُ عَنِ الْمَنَاهِي وَيَرْتَدِعُ عَنِ الْمَلَاهِي، وَلِذَا قِيلَ: حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ أَنَّ مَوْلَاكَ لَا يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ، وَهَذَا مَقَامُ الْإِحْسَانِ الْمُسَمَّى بِالْمُشَاهَدَةِ النَّاشِئُ عَنْ حَالِ الْمُحَاسَبَةِ، وَالْمُرَاقَبَةِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ الْجَلِيلُ مُجْمَلُ حَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَأَفْضَلُهَا مُشِيرٌ إِلَى الْإِيمَانِ، وَأَدْنَاهَا مُشْعِرٌ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالْحَيَاءُ مُوصِلٌ إِلَى الْإِحْسَانِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ( «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) قَالُوا: إِنَّا لَنَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتَحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ يُحْفَظَ الرَّأْسُ وَمَا حَوَى، وَالْبَطْنُ وَمَا وَعَى، وَيُذْكَرُ الْمَوْتُ، وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا وَآثَرَ الْآخِرَةَ عَلَى الْأُولَى، فَمَنْ يَعْمَلْ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّ: الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تَتَبَّعْتُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُدَّةً وَعَدَدْتُ الطَّاعَاتِ فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى السُّنَّةِ فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ فَضَمَمْتُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِذَا هِيَ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْمُرَادُ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: قَدْ تَكَلَّفَ جَمَاعَةٌ عَدَّهَا بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ - يَعْنِي الْبَيْضَاوِيَّ وَالْكِرْمَانِيَّ وَغَيْرَهُمَا - وَأَقْرَبُهُمْ عَدًّا ابْنُ حِبَّانَ حَيْثُ ذَكَرَ كُلَّ خَصْلَةٍ سُمِّيَتْ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ إِيمَانًا، وَقَدْ تَبِعَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَتَبِعْنَاهُمَا، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَصِفَاتِهِ، وَحُدُوثِ مَا دُونَهُ، وَبِمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْقَدَرِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَحَبَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>