للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْوَلِيُّ مَنْ كُوشِفَ بِبَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِإِصْلَاحِ النَّاسِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ، إِذْ أَكْثَرُ الْأَوْلِيَاءِ لَا سِيَّمَا مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ كَرَامَةٌ وَكَشْفُ حَالَةٍ، بِخِلَافِ بَعْضِ الْخَلَفِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَقِيلَ: لِقُوَّةِ قُلُوبِ الْأَوَّلِينَ وَضَعْفِ دِينِ الْآخِرِينَ؛ وَلِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ وَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ، لَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَامِلُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ، مُكَمِّلُونَ لِغَيْرِهِمْ، فَهُمُ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاعِظُونَ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِهَا سِوَاهُ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ: مَصَابِيحُ الْهُدَى، فَطُوبَى لِمَنْ بِهِمُ اقْتَدَى وَبِنُورِهِمُ اسْتَضَاءَ وَاهْتَدَى، فَالْأَقْرَبُ فِي مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ إِمَّا فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ مَنْ يَتَوَلَّى اللَّهُ حِفْظَهُ وَحِرَاسَتَهُ عَلَى التَّوَالِي، أَوْ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، أَيْ: مَنْ يَتَوَلَّى عِبَادَةَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ، وَيَتَوَالَى عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ مَعْصِيَةٍ، وَكِلَا الْوَصْفَيْنِ شَرْطٌ فِي الْوِلَايَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ، وَإِيمَاءٌ فِي الْأَوَّلِ إِلَى الْمَجْذُوبِ السَّالِكِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمُرَادِ، وَفِي الثَّانِي إِلَى السَّالِكِ الْمَجْذُوبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمُرِيدِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: ١٣] وَتَحْقِيقُهُ أَنْ يُقَالَ: الْوَلِيُّ هُوَ مَنْ يَتَوَلَّى اللَّهُ بِذَاتِهِ أَمْرَهُ، فَلَا تَصَرُّفَ لَهُ أَصْلًا إِذْ لَا وُجُودَ لَهُ، وَلَا ذَاتَ، وَلَا فِعْلَ، وَلَا وَصْفَ، فَهُوَ الْفَانِي بِيَدِ الْبَاقِي، كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيِ الْغَاسِلِ، يَفْعَلُ بِهِ مَا يَشَاءُ حَتَّى يَمْحُو رَسْمَهُ وَاسْمَهُ، وَيَمْحُو عَيْنَهُ وَأَثَرَهُ، وَيُحْيِيهِ بِحَيَاتِهِ، وَيُبْقِيهِ بِبَقَائِهِ، وَيُوصِلَهُ إِلَى لِقَائِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>