قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَيْ: أَنَّ كَثْرَةَ مَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَدْ أَثْقَلَهَا حَتَّى أَطَّتْ، وَهَذَا مَثَلُ إِيذَانٍ بِكَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَطِيطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ، أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قُلْتُ: مَا الْمُحْوِجُ عَنْ عُدُولِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ مَعَ إِمْكَانِهِ عَقْلًا وَنَقْلًا حَيْثُ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ: وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطِيطُ السَّمَاءِ صَوْتَهَا بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَالتَّمْجِيدِ ; لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] لَا سِيَّمَا وَهِيَ مَعْبَدُ الْمُسَبِّحِينَ وَالْعَابِدِينَ، وَمَنْزِلُ الرَّاكِعِينَ وَالسَّاجِدِينَ، (" وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ ") بِضَمِّ الْفَاءِ وَالرَّاءِ: جَمْعُ فُرُشٍ، فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ لِلْمُبَالَغَةِ (" وَلَخَرَجْتُمْ ") أَيْ: مِنْ مَنَازِلِكُمُ الْعَالِيَاتِ (" إِلَى الصُّعُدَاتِ ") بِضَمَّتَيْنِ، أَيْ: إِلَى الصَّحَارِي، وَاخْتِيَارُ الْجَمْعِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالصُّعُدِ: جَمْعُ صَعِيدٍ كَطُرُقٍ جَمْعُ طَرِيقٍ وَطُرُقَاتٍ، وَالصَّعِيدُ هُوَ الطَّرِيقُ، وَفِي الْأَصْلِ التُّرَابُ، أَيْ: لَخَرَجْتُمْ إِلَى الطُّرُقَاتِ الْبَرَارِي وَالصَّحَارِي وَمَمَرِّ النَّاسِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمَحْزُونُ لِبَثِّ الشَّكْوَى وَالْهَمِّ الْمَكْنُونِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّعِيدَ هُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَقِيلَ التُّرَابُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ هَاهُنَا، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْمَعْنَى: لَخَرَجْتُمْ مِنْ مَنَازِلِكُمْ إِلَى الْجَبَّانَةِ، مُتَضَرِّعِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ حَالِ الْمَحْزُونِ أَنْ يَضِيقَ بِهِ الْمَنْزِلُ فَيَطْلُبُ الْفَضَاءَ الْخَالِيَ لِشَكْوَى بَثِّهِ، (" تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ") أَيْ: تَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ لِيَرْفَعَ عَنْكُمُ الْبَلَاءَ.
(قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: تُقْطَعُ وَتُسْتَأْصَلُ، وَهَذَا نَشَأَ مِنْ كَمَالِ خَوْفِهِ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَا لَيْتَنِي هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ مِمَّنْ نَقَلَ هُوَ عَنْ كِتَابِهِ، (قَالَ أَبُو ذَرٍّ) بَلْ أُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ بِكَلَامِ أَبِي ذَرٍّ أَشْبَهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ يَتَمَنَّى عَلَيْهِ حَالًا هُوَ أَوْضَعُ مِمَّا هُوَ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهَا مِمَّا لَا تَكُونُ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ: هَكَذَا تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ كَمَا فِي الْمَتْنِ وَنُسَخِ الْمَصَابِيحِ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا لَيْتَنِي إِلَى آخِرِهِ، وَلِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute