٥٣٥٠ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠] أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: " لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ! وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
٥٣٥٠ - (وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [المؤمنون: ٦٠] أَيْ: يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ، وَقُرِئَ (يُأْتُونَ مَا أَتَوْا) بِالْقَصْرِ، أَيْ: يَفْعَلُونَ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَيْ: خَائِفَةٌ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، وَأَنْ لَا يَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ فَيُؤَاخَذُونَ بِهِ، وَتَمَامُهُ: أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أَيْ: لِأَنَّ مَرْجِعَهُمْ إِلَيْهِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، أَيْ: يَرْغَبُونَ فِي الطَّاعَاتِ أَشَدَّ الرَّغْبَةِ فَيُبَادِرُونَهَا، وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ أَيْ: لِأَجْلِهَا فَاعِلُونَ السَّبْقَ أَوْ سَابَقُوا النَّاسَ إِلَى الطَّاعَاتِ أَوِ الثَّوَابِ أَوِ الْجَنَّةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ كَذَا فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَمَعْنَاهُ يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا، وَسُؤَالُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: (أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ) لَا يُطَابِقُهَا، وَقِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَأْتُونَ مَا أَتَوْا) بِغَيْرِ مَدٍّ أَيْ: يَفْعَلُونَ مَا فَعَلُوا، وَسُؤَالُهَا مُطَابِقٌ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ، وَهَكَذَا هُوَ فِي تَفْسِيرِ الزَّجَّاجِ وَالْكَشَّافِ، قُلْتُ: مُؤَدَّى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، لَا الْمُرَادُ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ قَطْعِ طُرُقِ التَّوَاتُرِ يَفْعَلُونَ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ مَا ظَنَّتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا الْمَعْنَى الْأَعَمُّ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: ٦١] (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (" لَا ") أَيْ: لَيْسُوا هُمْ، أَوْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَمْثَالَهُمْ (" يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ ") وَفَى نُسْخَةٍ يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ، وَفَى هَذَا النِّدَاءِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَهَا وَلِأَبِيهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنْتِ الصَّادِقَةُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مِنْ حُسْنِ الْآدَابِ بَيْنَ الْأَحْبَابِ، (" وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ") فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [المؤمنون: ٦٠] عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ غَايَتُهُ أَنَّ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُمَا تَغْلِيبٌ، فَالْمَشْهُورَةُ ظَاهِرُهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ، كَمَا أَنَّ الشَّاذَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالطَّاعَةِ الْبَدَنِيَّةِ، عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَةَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَفْسِيرِهَا: يُعْطُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَا أَعْطَوْا مِنَ الطَّاعَاتِ فَيَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْعِبَادَةِ، (" وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ") أَيْ: إِلَّا أَنَّهُمْ يَخَافُونَ مِمَّا فَعَلُوا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى شَرْبَةِ الْخَمْرِ وَسَرِقَةِ الْمَالِ وَسَائِرِ السَّيِّئَاتِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute