للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٣٥٣ - وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ شِبْتَ، قَالَ: " شَيَّبَتْنِي سُورَةُ هُودٍ وَأَخَوَاتُهَا» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

٥٣٥٣ - (وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ، ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَلَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْهُ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَوْنٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، (قَالَ: قَالُوا) أَيْ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ شِبْتَ) أَيْ: ظَهَرَ عَلَيْكَ آثَارُ الضَّعْفِ، قِيلَ: أَوَانُ الْكِبَرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظُهُورَ كَثْرَةِ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ عَلَيْهِ ; لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً بِيضًا» ، (قَالَ: " شَيَّبَتْنِي هُودُ ") بِغَيْرِ انْصِرَافٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالصَّرْفِ، قِيلَ: إِنْ جَعَلَ هُودَ اسْمَ السُّورَةِ لَمْ يُصْرَفْ، وَإِلَّا صُرِفَ، فَالْمُضَافُ مُقَدَّرٌ حِينَئِذٍ، أَقُولُ: لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُصْرَفُ كَانَ كَجُورِ، وَإِذَا صُرِفَ كَانَ التَّقْدِيرُ سُورَةُ هُودٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ سُورَةُ هُودٍ، (" وَأَخَوَاتُهَا ") أَيْ: وَأَشْبَاهُهَا مِنَ السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقِيَامَةِ وَالْعَذَابِ.

قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُرِيدُ أَنَّ اهْتِمَامِي بِمَا فِيهَا مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَالْحَوَادِثِ النَّازِلَةِ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، آخُذُ مِنْ مَأْخَذِهِ حَتَّى شِبْتُ قَبْلَ أَوَانِ الْمَشِيبِ خَوْفًا عَلَى أُمَّتِي، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ: رُوِيَ عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ " فَقَالَ: " نَعَمْ "، فَقُلْتُ: بِأَيَّةِ آيَةٍ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢] قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَلِكُ الْمُعِينُ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَسِرٌ جِدًّا، قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ كَرَامَةٍ لِكَوْنِهَا أَصْعَبَ مِنْ جِسْرِ الْقِيَامَةِ، مَعَ أَنَّهَا أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، وَأَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، وَأَحَرُّ مِنَ الصَّيْفِ، لَكِنَّ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى الْآيَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ ; لِقَوْلِهِ: وَأَخَوَاتُهَا، الْمُفَسَّرَةُ بِالسُّوَرِ الْآتِيَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الِاسْتِقَامَةِ لِلتَّخْلِيصِ عَنِ النَّدَامَةِ وَالْمَلَامَةِ، فَكَأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي جَمِيعِهَا، أَوْ يُقَالُ: الْجَوَابُ لِلنَّائِمِ كَانَ عَلَى طِبْقِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَالتَّحْرِيضِ عَلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَزَادَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: قَبْلَ الْمَشِيبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>