للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٣٥٦ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يَا عَائِشَةَ! إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، والْبَيْهَقِيُّ فِي (شُعَبِ الْإِيمَانِ) .

ــ

٥٣٥٦ - (وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَا عَائِشَةَ! إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ") أَيْ: صَغَائِرَهَا وَخَصَّ بِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُسَامَحُ صَاحِبُهَا فِيهَا بِعَدَمِ تَدَارُكِهَا بِالتَّوْبَةِ، وَبِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ بِهَا فِي الْخَشْيَةِ غَفْلَةً عَنْهُ أَنَّهُ لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، وَأَنَّ كُلَّ صَغِيرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ كَبِيرَةٌ، وَالْقَلِيلَةَ مِنْهَا كَثِيرَةٌ ; وَلِذَا قَدْ يَعْفُو اللَّهُ عَنِ الْكَبِيرَةِ وَيُعَاقِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ، كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١] الصَّغِيرَةَ بِسَبَبِ الْعِبَادَاتِ الْمُكَفِّرَةِ، قُلْنَا: بِشَرْطِ اجْتِنَابِكُمُ الْكَبَائِرَ لَا بِمُجَرَّدِ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (" فَإِنَّ لَهَا ") أَيْ: لِلْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ (" مِنَ اللَّهِ ") أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ (" طَالِبًا ") أَيْ: نَوْعًا مِنَ الْعَذَابِ يَعْقُبُهُ، فَكَأَنَّهُ يَطْلُبُهُ طَلَبًا لَا مُرَادَ لَهُ، فَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ، أَيْ: طَالِبًا عَظِيمًا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْفَلَ عَنْهُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَخْشَى مِنْهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُهُ: (مِنَ اللَّهِ طَالِبًا) هُوَ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ: كَقَوْلِ الْقَائِلِ:

وَفِي الرَّحْمَنِ لِلضُّعَفَاءِ كَافٍ

وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ أَنَّ مَعْنَاهُ: وَفِي رَحْمَةِ الرَّحْمَنِ لِلضُّعَفَاءِ كِفَايَةٌ، فَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ قَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَقَامِهِ الْمُقَرَّرِ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) أَيْ: فِي سُنَنِهِ، (وَالدَّارِمِيُّ) أَيْ: فِي مُسْنَدِهِ، (والْبَيْهَقِيُّ، فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ ") ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، والطَّبَرَانِيُّ، والْبَيْهَقِيُّ، وَالضِّيَاءُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا، وَلَفْظُهُ: " «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى حَمَلُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَنْ يُؤْخَذُ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكُهُ» "، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ والطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>