الْعَامِلِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ ثَالِثًا، ثُمَّ غَالِبُ سَلَاطِينِ زَمَانِنَا تَرَكُوا الْقِتَالَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى مُقَاتَلَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَخْذِ الْبِلَادِ وَإِعْطَاءِ الْفَسَادِ ; وَلِذَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: مَنْ قَالَ سُلْطَانُ زَمَانِنَا عَادَلٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَا أَقْبَحَ مَا صَدَرَ مِنْ بَعْضِ خَوَانِينِ الْأَزْبَكِ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقَتْلِ الْعَامِّ فِي بَلَدٍ عَظِيمٍ مِنْ بُلْدَانِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَشَايِخِ الْكِرَامِ، وَالسَّادَاتِ الْعِظَامِ، وَعُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَالنِّسَاءِ، وَالضُّعَفَاءِ، وَالْأَطْفَالِ، وَسَائِرِ الْمَرْضَى وَالْعُمْيَانِ، وَالْأَهْلِ وَالْعِيَالِ أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً، وَصُنُوفًا مُؤْتَلِفَةً، وَالْحَالُ أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَمُدَّعِي السَّلْطَنَةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَلَى تَعْظِيمِ الْعِلْمِ وَالشَّرِيعَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَوْ فَتَحُوا قَلْعَةً مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَيُوجَدُ فِيهِمْ أُلُوفٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، لَكِنْ فِيهِمْ ذِمِّيٌّ وَاحِدٌ مَجْهُولُ الْعَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، لَا يَحِلُّ قَتْلُ الْعَامِّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، أَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، هَذَا وَقَدْ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، حَتَّى فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مِمَّا لَمْ يُمْكِنْ ذِكْرُهُ، وَمِمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ فِكْرُهُ، وَاللَّهُ وَلِيُّ دِينِهِ وَنَاصِرُ نَبِيِّهِ، وَكُلُّ عَامٍ بَلْ كُلُّ يَوْمٍ بَلْ كُلُّ سَاعَةٍ شَرٌّ مِمَّا قَبْلَهُ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ) أَيْ بِأَنْوَاعِهَا كَمَا سَبَقَ، (يُرْزَقُونَ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَيُرْزَقُونَ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ، (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الِاسْتِحْلَالِ وَسَائِرِ قَبَائِحِ الْأَفْعَالِ، (وَيُنْصَرُونَ) أَيْ: عَلَى مَقَاصِدِهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ لِحِكْمَةٍ عَجَزَتْ عَنْ إِدْرَاكِهَا أَرْبَابُ الْكَمَالِ (" حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ ") .
إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: ٤٢] . (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ ") . قُلْتُ: وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَهُ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute