للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِمَّا عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ أَيْ مَظْرُوفِ الْإِنَاءِ، وَإِمَّا عَلَى ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ، كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] ، لَكِنْ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِ: (قِيلَ: فَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!) أَيْ: يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى: فَكَيْفَ الْحَالُ فِي انْقِلَابِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَتِبْيَانِ الْحَلَالِ فِي الْحَرَامِ (وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا) أَيْ: فِي الْخَمْرِ مَثَلًا (مَا بَيَّنَ؟) أَيْ: مِنْ تَحْرِيمِهَا، (قَالَ: " يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ") أَيْ: يُسَمُّونَهَا بَاسِمِ النَّبِيذِ وَالْمُثَلَّثِ (فَيَسْتَحِلُّونَهَا) أَيْ: حَقِيقَةً ; فَيَصِيرُونَ كَفَرَةً، أَوْ فَيُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ شَيْئًا حَلَالًا ; فَيَكُونُونَ فَسَقَةً مَكَرَةً، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: يَعْنِي أَنَّهُمْ يَسْتَتِرُونَ بِمَا أُبِيحَ لَهُمْ مِنَ الْأَنْبِذَةِ ; فَيَتَوَصَّلُوا بِذَلِكَ إِلَى اسْتِحْلَالِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ حَلِّ الْمَرَامِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: خَبَرُ أَنَّ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْخَمْرُ، وَالْكَافُ فِي كَمَا يُكْفَأُ: صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، يَعْنَى: أَوَّلُ مَا يُكْفَأُ مِنَ الْإِسْلَامِ إِكْفَاءٌ مِثْلُ إِكْفَاءِ مَا فِي الْإِنَاءِ، انْتَهَى. وَأَفَادَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: مِنَ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ مِنْ تَبْعِيضِيةٌ سَاقِطَةٌ مِنَ الْكَلَامِ أَيْ: مِنْ أَحْكَامِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُكْفَأُ: يُقْلَبُ وَيُمَالُ، وَيُقَالُ كَفَأْتُ الْقِدْرَ إِذَا قَلَبْتُهَا لِيَنْصَبَّ عَنْهَا مَا فِيهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الشُّرْبُ هَاهُنَا، فَإِنَّ الشَّارِبَ يَكْفَأُ الْقَدَحَ عِنْدَ الشُّرْبِ، وَقَوْلُ الرَّاوِي: يَعْنِي الْإِسْلَامَ يُرِيدُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَسَقَطَ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَوَّلَ مَا يُشْرَبُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُجْتَرَأُ عَلَى شُرْبِهِ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا يُشْرَبُ الْمَاءُ وَيُجْتَرَأُ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، وَيُؤَوِّلُونَ فِي تَحْلِيلِهَا بِأَنْ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا: كَالنَّبِيذِ وَالْمُثَلَّثِ، انْتَهَى ; فَيُفِيدُ أَنَّ النَّبِيذَ وَالْمُثَلَّثَ حَلَالَانِ، وَأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ اسْمِ شَيْءٍ عَلَيْهِ، كَمَا يُسَمَّى الزِّنْجِيُّ بِالْكَافُورِ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ مَنْ تَوَهَّمَ حُرْمَةَ الْقَهْوَةِ الْمُحْدَثَةِ بِأَنَّهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ، وَلَا بِأَنَّهَا تُشْرَبُ عَلَى هَيْئَةِ أَهْلِ الشُّرْبِ ; لِأَنَّا نَقُولُ: لَا خُصُوصِيَّةَ حِينَئِذٍ بِالْقَهْوَةِ، فَإِنَّ اللَّبَنَ وَالْمَاءَ وَمَاءَ الْوَرْدِ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ الْمُتَعَارَفَ فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى مِنْوَالِ شُرْبِ الْفَسَقَةِ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الزَّبَادِيَّ الْمُتَعَدِّدَةَ وَشُرْبَ جَمَاعَةٍ فِي حَالَةٍ مُتَّحِدَةٍ ; وَبِهَذَا تَزُولُ الْمُشَابَهَةُ وَتَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهَا مَا نَصَّ اللَّهُ فِي كَلَامِهِ بِقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ مَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْهَا دَلِيلٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، أَوِ الْقِيَاسِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ. (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) . وَرَوَى أَحْمَدُ عَنِ الضِّيَاءِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: " «لَتَسْتَحِلَّنَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>