[٢٦] كِتَابُ الْفِتَنِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٥٣٧٩ - عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ، قَدْ نَسِيتُهُ، فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
الْفِتَنُ: جَمْعُ الْفِتْنَةِ، وَهِيَ: الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ بِالْبَلِيَّةِ.
٥٣٧٩ - (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ) أَيْ: خَطِيبًا أَوْ وَاعِظًا (فِينَا) أَيْ: فِيمَا بَيْنَنَا، أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يَعِظَنَا وَيُخْبِرَنَا بِمَا سَيَظْهَرُ مِنَ الْفِتَنِ ; لِنَكُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا فِي كُلِّ الزَّمَنِ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَامًا) : إِمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، أَوِ اسْمُ مَكَانٍ، وَقِيلَ: اسْمُ زَمَانٍ، وَالْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: (مَا تَرَكَ شَيْئًا) إِلَخْ: صِفَةٌ، وَقَوْلُهُ (يَكُونُ) بِمَعْنَى: يُوجَدُ صِفَةُ " شَيْئًا "، وَقَوْلُهُ: (فِي مَقَامِهِ) : مُتَعَلِّقٌ بِتَرَكَ، وَوُضِعَ " مَقَامِهِ " مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْمَوْصُوفِ، وَقَوْلُهُ: (ذَلِكَ) : صِفَةُ " مَقَامِهِ "، إِشَارَةٌ إِلَى زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) : غَايَةٌ لِيَكُونَ، وَالْمَعْنَى: قَامَ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَحْدُثُ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْفِتَنِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ (إِلَّا حَدَّثَ بِهِ) أَيْ: بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْكَائِنِ (حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ) ، أَيِ: الْمُحَدَّثُ بِهِ (وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ) أَيْ: هَذَا الْقِيَامَ، أَوْ هَذَا الْكَلَامَ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ (أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ) ، أَيِ: الْمَوْجُودُونَ فِي جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ مُفَصَّلًا لَمَّا وَقَعَ لَهُمْ بَعْضُ النِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِ، وَأَنَا الْآخَرُ مِمَّنْ نَسِيَ بَعْضَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الضَّمِيرَ لِقَوْلِهِ شَيْئًا (لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ) صِفَةُ الشَّيْءِ، وَاللَّامُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَاللَّامُ فِي " لَيَكُونُ " مَفْتُوحَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ، وَالْمَعْنَى: لَيَقَعُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ نَسِيتُهُ، (فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ) أَيْ: فَإِذَا عَايَنْتُهُ تَذَكَّرْتُ مَا نَسِيتُهُ، وَالْعُدُولُ مِنَ الْمُضِيِّ إِلَى الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ حِكَايَةِ الْحَالِ، ثُمَّ شَبَّهَ الْمَوْصُوفَ بِالْمُعَايَنِ، فَقَالَ: (كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ) ، أَيْ: ثُمَّ يَنْسَاهُ (ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute