٥٣٨٣ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَتًا، كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٥٣٨٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَادِرُوا ") أَيْ: سَابِقُوا وَسَارِعُوا (" بِالْأَعْمَالِ ") أَيْ: بِالِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ (" فِتَنًا ") أَيْ: وُقُوعَ فِتَنٍ (" كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ") بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ جَمْعُ قِطْعَةٍ، وَالْمَعْنَى: كَقِطَعٍ مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ; لِفَرْطِ سَوَادِهَا وَظُلْمَتِهَا، وَعَدَمِ تَبَيُّنِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ فِيهَا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْفِتَنِ مَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا وَقَدْ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ فِي الْآيَةِ بِسُكُونِ الطَّاءِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: جُزْءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ سَوَادِهِ وَيُرَادِفُهُ قِطْعَةٌ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: تَعَجَّلُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْفِتَنِ الْمُظْلِمَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ الْأَعْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فِيهِ، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّشْبِيهِ بَيَانُ حَالِ الْفِتَنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَشِيعٌ فَظِيعٌ، وَلَا يُعْرَفُ سَبَبُهَا وَلَا طَرِيقُ الْخَلَاصِ مِنْهَا، فَالْمُبَادَرَةُ الْمُسَارَعَةُ بِإِدْرَاكِ الشَّيْءِ قَبْلَ فَوَاتِهِ، أَوْ بِدَفْعِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ (" يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا ") أَيْ: مَوْصُوفًا بِأَصْلِ الْإِيمَانِ أَوْ بِكَمَالِهِ، (" وَيُمْسِي كَافِرًا ") ، أَيْ: حَقِيقَةً، أَوْ كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ، أَوْ مُشَابِهًا لِلْكَفَرَةِ، أَوْ عَامِلًا عَمَلَ الْكَافِرِ، (" وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ") ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى يُصْبِحُ مُحَرِّمًا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَيُمْسِي مُسْتَحِلًّا إِيَّاهُ وَبِالْعَكْسِ، وَحَاصِلُهُ التَّذَبْذُبُ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالتَّتَبُّعُ لِأَمْرِ الدُّنْيَا، كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (" يَبِيعُ ") أَيِ: الرَّجُلُ أَوْ أَحَدُهُمْ كَمَا فِي الْجَامِعِ (" دِينَهُ ") أَيْ: يَتْرُكُهُ (" بِعَرَضٍ ") بِفَتْحَتَيْنِ، أَيْ: يَأْخُذُ مَتَاعًا دَنِيئًا وَثَمَنًا رَدِيئًا (" مِنَ الدُّنْيَا ") ، زَادَ فِي الْجَامِعِ: " قَلِيلٍ " بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ عَرَضٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: " «سَتَكُونُ فِتَنٌ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا إِلَّا مَنْ أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ» "، فَقَوْلُهُ: يُصْبِحُ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ بَعْضِ الْفِتَنِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِحَالِ الْمُشَبَّهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " فِتَنًا "، وَقَوْلُهُ: " يَبِيعُ " إِلَخْ، بَيَانٌ لِلْبَيَانِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: فِيهِ وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالٌ لِمُجَرَّدِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْغَضَبِ فَيَسْتَحِلُّونَ الدَّمَ وَالْمَالَ، وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ وُلَاةُ الْمُسْلِمِينَ ظَلَمَةً فَيُرِيقُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَزْنُونَ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَيَعْتَقِدُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَيُفْتِيهِمْ بَعْضُ عُلَمَاءِ السُّوءِ عَلَى جَوَازِ مَا يَفْعَلُونَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا، وَثَالِثُهَا: مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَالْمُبَايَعَاتِ وَغَيْرِهَا فَيَسْتَحِلُّونَهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، وَكَذَا أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: " «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ هَرَمًا فَاغِضًا وَمَوْتًا خَالِسًا وَمَرَضًا حَابِسًا وَتَسْوِيفًا مُسِيئًا» ". وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: مَا تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ فَإِنَّهُ شَرُّ مُنْتَظَرٍ، أَوِ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبَّاسٍ الْغِفَارِيِّ مَرْفُوعًا: " «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: إِمَارَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطْعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْوًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لِيُغَنِّيَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute