للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٤٣٠ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" إِذَا جَلَسَ ") : أَيْ: أَحَدُكُمْ، كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (" بَيْنَ شُعَبِهَا ") أَيِ: الْمَرْأَةِ (" الْأَرْبَعِ ") : أَيْ: يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، وَقِيلَ: رِجْلَيْهَا وَطَرَفَيْ فَرْجِهَا، وَرَجَحَ الثَّانِي بِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ هَيْئَاتِ الْجِمَاعِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ; فَإِنَّهُ يُوهِمُ التَّخْصِيصَ بِهَيْئَةِ الِاسْتِلْقَاءِ، وَبِأَنَّهُ لَا قُبْحَ فِي ذِكْرِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَلَوْ أُرِيدَتْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا عَنْهَا بِخِلَافِ الشَّفْرَيْنِ فَإِنَّهُ يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهُمَا، فَكَنَّى بِالشُّعَبِ لِأَجْلِهِمَا، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، لَكِنَّ فِي قَوْلِهِ: (يَتَنَاوَلُ سَائِرَ الْهَيْئَاتِ) مَحَلَّ بَحْثٍ ; لِأَنَّ قَيْدَ الْجُلُوسِ يَأْبَاهُ إِلَّا أَنْ يُقَيِّدَ سَائِرَ هَيْئَاتِ الْجُلُوسِ فَتَدَبَّرْ، وَقِيلَ: فَخِذَاهَا وَاسْتَاهَا، وَقِيلَ: يَدَاهَا وَشَفْرَاهَا، وَقِيلَ: الرِّجْلَانِ وَالْفَخِذَانِ، وَقِيلَ: (الْفَخِذَانِ وَالشَّفْرَانِ، وَقِيلَ: نَوَاحِي فَرْجِهَا الْأَرْبَعُ، وَالشُّعَبُ: النَّوَاحِي، وَاحِدَتُهَا شُعْبَةٌ. (ثُمَّ جَهَدَهَا) أَيْ: جَامَعَهَا ; بِأَنْ أَدْخَلَ تَمَامَ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجِهَا، وَالْجَهْدُ بِالْفَتْحِ مِنْ أَسْمَاءِ النِّكَاحِ ; مِنَ الْجُهْدِ الَّذِي هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي بُلُوغِ الْغَايَةِ ; لِأَنَّ الْجِمَاعَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ غَالِبًا، وَكَنَّى بِهِ عَنْهُ اسْتِحْيَاءً مِنْ ذِكْرِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْجَهْدُ مِنْ أَسْمَاءِ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: وَعَدَلَ عَنْهُ إِلَيْهِ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَيَكُونَ كَالْكِنَايَةِ دُونَ التَّصْرِيحِ، ثُمَّ الْمَدَارُ عَلَى هَذَا، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَهُوَ قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ أَغْلَبِيٌّ (" فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ") : أَيْ: عَلَيْهِمَا (" وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ") وَلَا أَنْزَلَتْ هِيَ.

قَالَ الْقَاضِي: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ إِلَى عَدَمِهِ مَا لَمْ يُنْزِلْ، وَبِهِ قَالَ الْأَعْمَشُ وَدَاوُدُ، وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (" «إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» ") فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ عُرْفًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " كَانَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ " شَيْئًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ تُرِكَ وَأُمِرَ بِالْغُسْلِ إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ؟ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ حَيْثُ سَأَلَهَا أَبُو مُوسَى - عَنْ ذَلِكَ؟ فَرَوَتْ: " «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» ". انْتَهَى. وَالْمَعْنَى: إِذْ حَاذَاهُ. وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَسِّ غَيْرُ تِلْكَ الْمُحَاذَاةِ؛ إِذْ تُوجَدُ بِدُخُولِ تَمَامِ الْحَشَفَةِ لِلْفَرْجِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ غَيْرُهُ، وَذِكْرُ الْخِتَانِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ جُمْلَةَ: وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ لَيْسَتْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِلْبُخَارِيِّ، وَشَرَفُ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْمَصَابِيحِ، وَسَبَقَ إِلَيْهِ فِي عَزْوِهَا إِلَى الصَّحِيحَيْنِ جَمِيعًا ابْنُ الْأَثِيرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ. أَوْ رَأَى فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ، فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنَ الْمَتْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>