للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٥٣٩٨ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُبْقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ؟ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا؟ " وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قَالَ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: " عَلَيْكَ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامِّهِمْ» ".

وَفِي رِوَايَةٍ: " «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَأَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَامَّةِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.

ــ

٥٣٩٨ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : صَحَابِيَّانِ جَلِيلَانِ (ابْنِ الْعَاصِ) بِغَيْرِ يَاءٍ هُوَ الصَّحِيحُ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " كَيْفَ بِكَ ") سَبَقَ إِعْرَابُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَيْفَ أَنْتَ، أَيْ كَيْفَ حَالُكَ (" إِذَا أُبْقِيتَ ") : مَجْهُولٌ مِنَ الْإِبْقَاءِ أَيْ: إِذَا أَبْقَاكَ اللَّهُ بِمَعْنَى عَمَّرَكَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْبَقَاءِ أَيْ: إِذَا بَقِيتَ (" فِي حُثَالَةٍ ") : بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَا سَقَطَ مِنْ قِشْرِ الشَّعِيرِ وَالْأَرُزِّ وَالتَّمْرِ وَالرَّدِيءِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَيْ: فِي قَوْمٍ رُدَأًى (" مِنَ النَّاسِ مَرِجَتْ ") : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: فَسَدَتْ (" عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ ") ، وَفِي نُسْخَةٍ: أَمَانَتُهُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرْدٍ، وَالْجَمْعُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُقَابَلَةِ وَالتَّوْزِيعِ مَعَ إِمْكَانِ حَقِيقَةِ الْجَمْعِ فِيهِمَا، فَتَأَمَّلْ، وَالْمَعْنَى: لَا يَكُونُ أَمْرُهُمْ مُسْتَقِيمًا، بَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ عَلَى طَبْعٍ وَعَلَى عَهْدٍ، يَنْقُضُونَ الْعُهُودَ وَيَخُونُونَ الْأَمَانَاتِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيِ اخْتَلَطَتْ وَفَسَدَتْ ; فَقَلِقَتْ فِيهِمْ أَسْبَابُ الدِّيَانَاتِ. (" وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا "! وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) أَيْ: يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَيَلْتَبِسُ أَمْرُ دِينِهِمْ، فَلَا يُعْرَفُ الْأَمِينُ مِنَ الْخَائِنِ، وَلَا الْبَرُّ مِنَ الْفَاجِرِ.

هَذَا وَفِي نُسْخَةٍ: مَرَجَتْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الفرقان: ٥٣] فَفِيهِ ضَمِيرٌ إِلَى الْحُثَالَةِ، فَالْمَعْنَى: أَفْسَدَتْ تِلْكَ الْجَمَاعَةُ الْقُمَامَةُ عُهُودَهُمْ وَأَمَانَاتِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي أُمُورِ دِيَانَاتِهِمْ، فَكَانُوا كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ فِي الِاشْتِبَاكِ مُشَبَّهِينَ بِالْأَصَابِعِ الْمُشَبَّكَةِ، فَمَا كَتَبَهُ مِيرَكُ عَلَى هَامِشِ الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ: مُرِجَتْ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَرَمْزٌ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَرَجَ مُتَعَدٍّ، وَالْمَعْنَى عَلَى اللُّزُومِ فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنَ الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْمَرَجُ الْخَلْطُ، وَالْمَرَجُ بِحَرَكَةٍ الْفَسَادُ وَالْقَلَقُ، وَالِاخْتِلَاطُ وَالِاضْطِرَابُ، وَإِنَّمَا يُسَكَّنُ مَعَ الْهَرْجِ يَعْنِي لِلِازْدِوَاجِ، مَرَجٌ كَفَرَحٍ، وَأَمْرٌ مَرِيجٌ مُخْتَلِطٌ، وَأَمْرَجَ الْعَهْدَ لَمْ يَفِ بِهِ، اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: مَرَجَ الدِّينُ فَسَدَ وَقَلِقَتْ أَسْبَابُهُ، وَمَرَجَتْ عُهُودُهُمْ أَيِ اخْتَلَطَتْ.

(قَالَ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: " عَلَيْكَ بِمَا تَعْرِفُ ") أَيِ الْزَمْ: وَافْعَلْ مَا تَعْرِفُ كَوْنَهُ حَقًّا (" وَدَعْ مَا تُنْكِرُ ") أَيْ: وَاتْرُكْ مَا تُنْكِرُ أَنَّهُ حَقٌّ (وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ) أَيْ: عَامَّتُهُمْ، وَالْمَعْنَى: الْزَمْ أَمْرَ نَفْسِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>