٥٤٠٧ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا ". قُلْتُ: أَمِمَّا بَقِيَ أَوْ مِمَّا مَضَى؟ قَالَ: " مِمَّا مَضَى» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٥٤٠٧ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ ") أَيْ: تَسْتَقِرُّ وَتَسْتَمِرُّ دَائِرَةً رَحَى الْإِسْلَامِ، وَيَسْتَقِيمُ دَوَرَانُهَا عَلَى وَجْهِ النِّظَامِ، أَوْ يَبْتَدِئُ دَوَرَانُ دَائِرَةِ الْحَرْبِ وَتَزَلْزُلِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ فِي الْإِسْلَامِ (" لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ") أَيْ: لِوَقْتِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنِ ابْتِدَاءِ ظُهُورِ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ زَمَنُ هِجْرَةِ خَيْرِ الْأَنَامِ، وَبِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ تَنْقَضِي خِلَافَةُ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ ; إِذْ بَعْدَهَا مَقْتَلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (" أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ") وَفِيهِ قَضِيَّةُ الْجَمَلِ، (" أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ ") وَفِيهِ وَقْعَةُ صِفِّينَ، وَ (أَوْ) فِيهَا لِلتَّنْوِيعِ، أَوْ بِمَعْنَى بَلْ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِمَا أَهْوَنُ مِمَّا بَعْدَهُمَا، لَا سِيَّمَا أَمْرُ الْإِسْلَامِ، وَنِظَامُ الْأَحْكَامِ، وَظُهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ ; وَلِهَذَا قَالَ: (" فَإِنْ يَهْلِكُوا ") أَيْ: إِنِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَاسْتَهَانُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَاقْتَرَفُوا الْمَعَاصِي (" فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ ") أَيْ: فَسَبِيلُهُمْ سَبِيلُ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الَّذِينَ زَاغُوا عَنِ الْحَقِّ فِي اخْتِلَاقِهِمْ وَزَيْغِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَوَهَنِهِمْ فِي الدِّينِ، وَسَمَّى أَسْبَابَ الْهَلَاكِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ هَلَاكًا، هَذَا مُجْمَلُ الْكَلَامِ، وَأَمَّا تَفْصِيلُ الْمَرَامِ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: دَوَرَانُ الرَّحَى كِنَايَةٌ عَنِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ، شَبَّهَهَا بِالرَّحَى الدَّوَّارَةِ الَّتِي تَطْحَنُ الْحَبَّ ; لِمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ تَلَفِ الْأَرْوَاحِ وَهَلَاكِ الْأَنْفُسِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ
قُلْتُ: هُوَ مَعْنَى مَا قَالَ غَيْرُهُ:
فَيَوْمًا عَلَيْنَا وَيَوْمًا لَنَا ... فَيَوْمًا نُسَاءُ وَيَوْمًا نُسَرُّ
وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١٤٠] ، ثُمَّ الرَّحَى وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا ذُكِرَ مِنْ تَلَفِ الْأَرْوَاحِ وَهَلَاكِ الْأَنْفُسِ، لَكِنْ فِيهَا أَيْضًا قُوتُ الْأَشْبَاحِ وَقُوَّةُ الْأَرْوَاحِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُمْ يُكَنُّونَ عَنِ اشْتِدَادِ الْحَرْبِ بِدَوَرَانِ الرَّحَى، وَيَقُولُونَ: دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ أَيِ اسْتَتَبَّ أَمْرُهَا، وَلَمْ تَجِدْهُمُ اسْتَعْمَلُوا دَوَرَانَ الرَّحَى فِي أَمْرِ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ ذِكْرِهَا، أَوِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرِ الْحَرْبَ، وَإِنَّمَا قَالَ: رَحَى الْإِسْلَامِ، فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَسْتَتِبُّ أَمْرُهُ، وَيَدُومُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُسْتَعَارَ دَوَرَانُ الرَّحَى فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَقُومُ لِصَاحِبِهِ وَيَسْتَمِرُّ لَهُ، فَإِنَّ الرَّحَى تُوجَدُ عَلَى نَعْتِ الْكَمَالِ مَا دَامَتْ دَائِرَةً مُسْتَمِرَّةً، وَيُقَالُ: فُلَانٌ صَاحِبُ دَارَتِهِمْ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ يَدُورُ عَلَيْهِ، وَرَحَى الْغَيْثِ مُعْظَمُهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَرْبِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: تَزُولُ رَحَى الْإِسْلَامِ مَكَانَ تَدُورُ، ثُمَّ قَالَ: كَأَنَّ تَزُولَ أَقْرَبُ ; لِأَنَّهَا تَزُولُ عَنْ ثُبُوتِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَأَشَارَ بِالسِّنِينَ الثَّلَاثِ إِلَى الْفِتَنِ الثَّلَاثِ: مَقْتَلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ سَنَةَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَحَرْبِ الْجَمَلِ، وَكَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ، وَحَرْبِ صِفِّينَ، وَكَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مُتَتَابِعَةً فِي تِلْكَ الْأَعْوَامِ الثَّلَاثَةِ، (" وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ ") أَيْ: وَإِنْ صَفَتْ تِلْكَ الْمُدَدُ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُمُ اخْتِلَافٌ وَخَوَرٌ فِي الدِّينِ وَضَعْفٌ فِي التَّقْوَى (" يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا ") تَتَمَادَى بِهِمْ قُوَّةُ الدِّينِ وَاسْتِقَامَةُ أَمْرِهِ سَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ وَقَعَ الْمَحْذُورُ فِي الْمَوْعِدِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَى الْآنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute