أَيِ: الْهَرْجُ (" الْقَتْلُ ") ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ، فَهُوَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، (" وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ ") بِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ، مِنْ فَاضَ الْمَاءُ إِذَا انْصَبَّ عِنْدَ امْتِلَائِهِ، وَالضَّمِيرُ إِلَى الْمَالِ، فَهُوَ مُبَالَغَةٌ لِحُصُولِ الْمَنَالِ فِي الْمَآلِ، (حَتَّى يُهِمَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، مِنْ أَهَمَّهُ أَحْزَنَهُ وَأَقْلَقَهُ، وَقَوْلُهُ: (" رَبَّ الْمَالِ ") مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ، وَالْفَاعِلُ قَوْلُهُ: (" مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ ") عَلَى تَقْدِيرٍ مُضَافٍ، أَيْ: حَتَّى يُوقِعَ فِي الْحُزْنِ فُقْدَانُ مَنْ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ; حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُهُ، وَالتَّمْلِيكُ شَرْطٌ لِحُصُولِ الزَّكَاةِ، كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِحُصُولِ الصَّدَقَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، عَلَى أَنَّهُ هَمُّهُ لُغَةٌ بِمَعْنَى أَحْزَنَهُ، فَرَبَّ الْمَالِ مَنْصُوبٌ عَلَى حَالِهِ، وَفِي بَعْضِهَا يَرْفَعُهُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ، وَمِنْ مَفْعُولِهِ، أَيْ: يَقْصِدُهُ رَبُّ الْمَالِ، عَكْسُ الْمُتَعَارَفِ فِي بَقِيَّةِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ مِنْ هَمَّ بِهِ إِذَا قَصَدَهُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ، فَتَأَمَّلْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ، وَأَشْهُرُهَا ضَمُّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْهَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ مُقَيَّدٌ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَرَبُّ الْمَالِ مَفْعُولُهُ، وَالْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ فَاعِلُهُ، وَقَوْلُهُ: (" وَحَتَّى يَعْرِضَهُ ") بِكَسْرِ الرَّاءِ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، وَالْمَعْنَى: حَتَّى يُهِمَّ طَلَبُ مَنْ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ صَاحِبَ الْمَالِ ; فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يَجِدَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ، اهـ.
أَيْ: حَتَّى يَعْرِضَ الْمَالَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَقْبَلُهُ (" فَيَقُولُ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ! لَا أَرَبَ لِي بِهِ ") بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَيْ: لَا حَاجَةَ لِي إِلَيْهِ "، إِمَّا لِغِنَى قَلْبِهِ أَوْ لِغِنَى يَدِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا، فَكَأَنَّ الْخَيْرَ وَسِعَ الْجَمِيعَ بِمَا فِيهِ، وَقَنِعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا يَكْفِيهِ، فَلَا يُرِيدُ مَا يُطْغِيهِ أَوْ مَا لَا يَعْنِيهِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَنْ يَمْلَأَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ، عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ، فَكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ كُلُّهُمْ مِمَّنْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى رَجَعُوا إِلَى مَقَامِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَالْقَنَاعَةِ بِالْكِفَايَةِ، وَالِاسْتِغْنَاءِ بِمَا قَسَمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ، فَإِنَّ الِاسْتِئْنَاسَ بِالنَّاسِ مِنْ عَلَامَةِ الْإِفْلَاسِ. (" وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ ") أَيْ: حَتَّى يَتَزَايَدُوا فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ، أَوْ يَفْتَخِرُوا فِي تَزْيِينِهِ وَتَحْسِينِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِزَمَانِ الْمَهْدِيِّ، بَلِ الْمُرَادُ لَهُ إِمَّا بَعْدَهُ وَإِمَّا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْآنَ قَدْ كَثُرَ الْبُنْيَانُ وَافْتَخَرَ بِهِ أَهْلُ الزَّمَانِ، وَتَطَاوَلَ بِهِ اللِّسَانُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَهَدَمُوا الْعِمَارَةَ الْمَوْضُوعَةَ لِلْخَيِّرَاتِ، وَجَعَلُوهَا دُورًا وَبَسَاتِينَ وَمَوَاضِعَ التَّنَزُّهَاتِ وَمَحَالَّ التَّلَهِياتِ، (" وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ ") أَيْ: مِنْ كَثْرَةِ هُمُومِهِ وَغُمُومِهِ فِي أَمْرِ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهِ، أَوْ كَثْرَةِ بَلَائِهِ وَقِلَّةِ دَوَائِهِ (" بِقَبْرِ الرَّجُلِ ") أَيْ: مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ أَجَانِبِهِ (" فَيَقُولُ ") بِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ (" يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ ") ، نَقْلٌ بِالْمَعْنَى ; إِذْ لَفْظُهُ: مَكَانَكَ، أَيْ: لَيْتَنِي كُنْتُ مَيِّتًا حَتَّى لَا أَرَى الْفِتْنَةَ وَلَا أُشَاهِدَ الْمِحْنَةَ، (" وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ ") تَأْكِيدٌ لِلنَّاسِ أَوْ لِضَمِيرِهِ، أَيْ: كُلُّهُمْ لِمَا رَأَوْهُ مِنَ الْآيَةِ الْمُلْجِئَةِ وَالْعَلَّامَةِ الْعِيَانِيَّةِ، وَكَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُمُ الْإِيمَانَ فِي الْحَالَةِ الْغَيْبِيَّةِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣] ; وَلِذَا قَالَ: (فَذَلِكَ) أَيِ: الْوَقْتُ (حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: ١٥٨] ، وَكَذَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِيمَانِهِمْ مِنْ عَمَلِ خَيْرِهَا أَيِ الْحَادِثَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: ١٥٨] ، (فَأَوْ) لِلتَّنْوِيعِ ; إِذَا قَدْ يُوجَدُ إِيمَانٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الْعَمَلِ، وَقَدْ يَقْتَرِنُ الْعَمَلُ بِالْإِيمَانِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ وُقُوعُهُمَا فِي حَالِ الْبَأْسِ، وَوَقْتِ الْيَأْسِ لَا يَكُونَانِ نَافِعَيْنِ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٥] ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لَا يَنْفَعُ إِيمَانُهَا وَلَا كَسْبُهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ كَسَبَتْ، فَالْكَلَامُ مِنَ اللَّفِّ التَّقْدِيرِيِّ وَالنَّشْرِ الظَّاهِرِيِّ، هَذَا وَقِيلَ: جُمْلَةُ (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ) صِفَةُ نَفْسٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْاسْتِنَافِ ; لِئَلَّا يَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ الصِّفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute