للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٤٢١ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ ". فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّامَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٥٤٢١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ ") بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعُمْقُ مَا بَعُدَ مِنْ أَطْرَافِ الْمَفَاوِزِ، وَلَيْسَ الْأَعْمَاقُ هَاهُنَا بِجَمْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ (أَوْ بِدَابِقَ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ وَلَا يُصْرَفُ وَقَدْ يُصْرَفُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ دَارُ نَخْلَةٍ مَوْضِعُ سُوقٍ بِالْمَدِينَةِ. وَفِي الْمَفَاتِيحِ هُمَا مَوْضِعَانِ أَوْ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: دَابِقٌ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ ذَكَرَ فِيهِ الْفَتْحَ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ عَمَلِ حَلَبَ، وَمَرْجُ دَابِقٍ مَشْهُورٌ. قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: الْأَغْلَبُ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ ; لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ، قَالَ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَلَا يُصْرَفُ اهـ. وَالَّذِي يُؤَنِّثُهُ وَلَا يَصْرِفُهُ يُرِيدُ بِهِ الْبُقْعَةَ. قُلْتُ: وَفِي الْقَامُوسِ دَابِقٌ كَصَاحِبٍ مَوْضِعٌ بِحَلَبَ، لَكِنَّ الْمَضْبُوطَ فِي النُّسَخِ بِغَيْرِ صَرْفٍ، (" فَيَخْرُجَ ") بِالنَّصْبِ وَيُرْفَعُ (" إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ") ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا حَلَبَ، وَالْأَعْمَاقُ وَدَابِقُ مَوْضِعَانِ بِقُرْبِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا دِمَشْقُ، وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ: وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَدِينَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَيْشِ الْخَارِجِ إِلَى الرُّومِ جَيْشُ الْمَهْدِيِّ بِدَلِيلِ آخِرِ الْحَدِيثِ ; وَلِأَنَّ الْمَدِينَةَ الْمُنَوَّرَةَ تَكُونُ خَرَابًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. (مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ) : بَيَانٌ لِلْجَيْشِ (يَوْمَئِذٍ) احْتِرَازٌ مِنْ زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (" فَإِذَا تَصَافُّوا ") بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَضْمُومَةِ (قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا) : عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ (" نَقْتُلْهُمْ ") : يُرِيدُونَ بِذَلِكَ مُخَاتَلَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَمُخَادَعَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَيَبْغُونَ بِهِ تَفْرِيقَ كَلِمَتِهِمْ، وَالْمُرَادُونَ بِذَلِكَ هُمُ الَّذِينَ غَزَوْا بِلَادَهُمْ، فَسَبُوا ذُرِّيَّتَهُمْ، كَذَا ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلنُّسَخِ وَالْأُصُولِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَرُوِيَ سُبُوا بِبِنَاءِ الْمَجْهُولِ. قَالَ الْقَاضِي: بِبِنَاءِ الْمَعْلُومِ هُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: كِلَاهُمَا صَوَابٌ ; لِأَنَّ عَسَاكِرَ الْإِسْلَامِ فِي بِلَادِ الشَّامِ وَمِصْرَ كَانُوا مَسْبِيِّينَ، ثُمَّ هُمُ الْيَوْمَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَسْبُونَ الْكُفَّارَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْأَظْهَرُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ يَكُونُ بَعْدَ الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى الَّتِي تَدُورُ رَحَاهَا بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ، بَعْدَ الْمُصَالَحَةِ وَالْمُفَاجَرَةِ لِقِتَالٍ عَدُوٍّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْدَ غَزْوِ الرُّومِ لَهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَيَطَأُ الرُّومُ أَرْضَ الْعَرَبِ حَتَّى يَنْزِلَ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ، فَيَسْأَلُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ سَبَى ذُرِّيَّتَهُمْ، فَيَرُدُّونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. (" فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ") أَيِ: الْمُسْلِمُونَ الْكَفَرَةَ (" فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ ") أَيْ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ (" لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ") كِنَايَةٌ عَنْ مَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَتَعْذِيبِهِمْ عَلَى التَّأْبِيدِ، (" وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ " عِنْدَ اللَّهِ) بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ هُوَ هُمْ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، (" وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ") أَيِ: الْبَاقِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (" لَا يَفْتِنُونَ ") أَيْ: لَا يُبْتَلُونَ بِبَلِيَّةٍ، أَوْ لَا يَمْتَحِنُونَ بِمُقَاتَلَةٍ، أَوْ لَا يُعَذَّبُونَ (" أَبَدًا ") فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى حُسْنِ خَاتِمَتِهِمْ، (" فَيَفْتَتِحُونَ ") : الْفَاءُ تَعْقِيبِيَّةٌ أَوْ تَفْرِيعِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَفِي نُسْخَةٍ: فَيَفْتَحُونَ بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ ; لِأَنَّ الِافْتِتَاحَ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى الِاسْتِفْتَاحِ، فَلَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْفَتْحِ.

قُلْتُ: سَبَقَ مِثْلَ هَذَا فِي كَلَامِ التُّورِبِشْتِيِّ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِيهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْفَتْحَ كَانَ بِمُعَالَجَةٍ تَامَّةٍ. وَفِي الْقَامُوسِ: فَتْحٌ كَمَنْعٍ ضِدَّ أَغْلَقَ كَفَتْحٍ وَافْتَتَحَ وَالْفَتْحُ النَّصْرُ، وَافْتِتَاحُ دَارِ الْحَرْبِ، وَالِاسْتِفْتَاحُ الِاسْتِنْصَارُ وَالِافْتِتَاحُ، وَالْمَعْنَى: فَيَأْخُذُونَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ (" قُسْطَنْطِينِيَّةَ ") : وَهِيَ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ، وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ نُونٌ.

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ هَاهُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَنَقَلَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَشَارِقِ عَنِ الْمُتْقِنِينَ زِيَادَةَ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَ النُّونِ. قُلْتُ: وَنُسَخُ الْمِشْكَاةِ مُتَّفَقَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ عِيَاضٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ يَاءٍ مُخَفَّفَةٍ بَدَلُ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، فَقَدْ قَالَ الْجَزَرِيُّ: ثُمَّ نُونٌ ثُمَّ يَاءٌ مُخَفَّفَةٌ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ تَشْدِيدَهَا، وَقَالَ آخَرُونَ بِحَذْفِهَا، وَنَقَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>