[٢] بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٥٤٣٧ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ. وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ ". ". وَفِي رِوَايَةٍ: " يَقِلُّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
أَيْ: عَلَامَاتُ الْقِيَامَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ: الْأَشْرَاطُ الْعَلَامَاتُ، وَاحِدَتُهَا شَرْطٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَبِهِ سُمِّيِتِ شُرَطُ السُّلْطَانِ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا، هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ أَنْكَرَ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَالَ: أَشْرَاطُ السَّاعَةِ مَا يُنْكِرُهُ النَّاسُ مِنْ صِغَارِ أُمُورِهَا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ اهـ. وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: أَنَّ الشُّرَطَ مُحَرَّكَةً الْعَلَّامَةُ، وَأَوَّلُ الشَّيْءِ، وَرَذَائِلُ الْمَالِ وَصِغَارُهَا، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الشُّرَطُ لَهُ مَعْنَيَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْلُحُ لِلْمَقَامِ، فَلَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: مَا يُنْكِرُهُ النَّاسُ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ; إِذْ قَدْ يُوجَدُ فِي النَّاسِ مَنْ لَا يُنْكِرُ صِغَارَ أُمُورِ السَّاعَةِ ; لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ مِنْ صَاحِبِ السِّيَادَةِ وَالسَّعَادَةِ أَوَّلًا، وَزِيَادَةِ عَيْنِ الْيَقِينِ فِي مَقَامِ الْمُشَاهِدَةِ آخِرًا.
٥٤٣٧ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ» ") أَيْ: يَرْتَفِعُ إِمَّا بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، وَإِمَّا بِخَفْضِهِمْ عِنْدَ الْأُمَرَاءِ (" وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ ") أَيْ: بِغَلَبَةِ السُّفَهَاءِ (" وَيَكْثُرَ الزِّنَا ") أَيْ: لِأَجْلِ قِلَّةِ الْحَيَاءِ (وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ ") : بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِهَا، وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة: ٥٥] ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، فَفِي الْقَامُوسِ: شَرِبَ كَسَمِعَ شُرْبًا، وَيُثَلَّثُ، ثُمَّ كَثْرَةُ شُرْبِ الْخَمْرِ مُوَرِّثَةٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، فَيَحْصُلُ الِاعْتِدَاءُ. (" وَيَقِلَّ الرِّجَالُ ") أَيْ: وُجُودُهُمُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ نِظَامُ الْعَالَمِ، (" وَيَكْثُرَ النِّسَاءَ ") أَيْ: مِمَّنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِظُهُورِهِنَّ الْأَمْرُ الْأَهَمُّ، بَلْ وَجُودُهُنَّ مِمَّا يُكْثِرُ الْغَمَّ وَالْهَمَّ، وَيَقْتَضِي تَحْصِيلَ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، (" حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ ") : بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ: الْقَائِمُ (" الْوَاحِدُ ") أَيِ: الْمُنْفَرِدُ لِمَصَالِحِهِنَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُنَّ زَوْجَاتٌ لَهُ، بَلْ أَعَمُّ مِنْهَا وَمِنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: " يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ ") : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا بَدَلَانِ مِنْ (يُرْفَعَ وَيَكْثُرَ) ، فَالتَّقْدِيرُ: أَنَّ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ مَآلَ آخِرِهِ إِلَى رَفْعِ الْعِلْمِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ السَّجَزِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الرُّكْنُ وَالْقُرْآنُ» ". وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْجَامِعِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنِّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: " «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَيَبْقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبَى مُوسَى مَرْفُوعًا: " «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ وَالْمَرَجُ وَهُوَ الْقَتْلُ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute