للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ أَنَّ إِلْيَاسَ وَالْخَضِرَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَلْتَقِيَانِ فِي كُلِّ عَامٍ بِالْمَوْسِمِ، فَيَحْلِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ صَاحِبِهِ وَيَفْتَرِقَانِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلَّا اللَّهُ، مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا اللَّهُ، مَا شَاءَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ لَهُ الْقُرْبُ الْإِلَهِيُّ قَدَّمَ دَفْعَ وُكُولِهِمْ إِلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ: (" وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا ") : بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفُتِحَ، فَفِي الْقَامُوسِ: عَجَزَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَسَمِعَ، ثُمَّ فِي تَأْخِيرِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ الْأَنْفَسَ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦] ، (" وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ ") أَيْ: إِلَى الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا خَصَّ النَّاسَ لِقُرْبِ الِاسْتِئْنَاسِ ; (" فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ ") عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ فَيَعْجِزُوا لِظُهُورِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: فَيَسْتَأْثِرُوا ; إِشْعَارًا بِأَنَّهُمْ مَا يَكْتَفُونَ بِإِظْهَارِ الْعَجْزِ، بَلْ يَتَبَادَرُونَ إِلَى أَنْ يَخْتَارُوا الْجَيِّدَ لِأَنْفُسِهِمْ وَالرَّدِيءَ لِغَيْرِهِمْ، فَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ فِي شُهُودِ صُنْعِ اللَّهِ وَالْغَيْبَةِ عَمَّا سِوَاهُ، حَتَّى يَكِلُوا أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ، وَيَعْتَمِدُوا فِي جَمِيعِ حَوَائِجِهِمْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ كَفَاهُ أُمُورَ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، كَمَا قَالَ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] .

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَعْنَى: لَا تُفَوِّضْ أُمُورَهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْ كِفَايَةِ مُؤْنَتِهِمْ وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَلَا تُفَوِّضْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَعْجِزُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ ; لِكَثْرَةِ شَهَوَاتِهَا وَشُرُورِهَا، وَلَا تُفَوِّضْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَخْتَارُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ ; فَيَضِيعُوا، بَلْ هُمْ عِبَادُكَ فَافْعَلْ بِهِمْ مَا يَفْعَلُ السَّادَةُ بِالْعَبِيدِ. (ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي) ، أَيْ: لِحِكْمَةٍ سَتَأْتِي، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى ذَلِكَ الْمَرَامِ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْكَلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَضَعَهَا ثُمَّ رَفَعَهَا، (ثُمَّ قَالَ: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ ") أَيْ: خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ (" قَدْ نَزَلَتِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ") أَيْ: مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ، كَمَا وَقَعَتْ فِي إِمَارَةِ بَنِي أُمَيَّةَ (" فَقَدْ دَنَتِ ") أَيْ: قَرُبَتِ (" الزَّلَازِلُ ") أَيْ: وُقُوعُهَا وَهِيَ مُقَدِّمَاتُ زَلْزَلَةِ السَّاعَةِ الَّتِي هِيَ شَيْءٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: ١] ، وَالزَّلْزَلَةُ هِيَ الْحَرَكَةُ وَالزِّلْزَالُ مَصْدَرٌ، (" وَالْبَلَابِلُ ") : جَمْعُ بَلْبَلَةٍ، فَفِي النِّهَايَةِ: هِيَ الْهُمُومُ وَالْأَحْزَانُ، وَبَلْبَلَةُ الصَّدْرِ وَسْوَاسُهُ، (" وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ ") أَيْ: مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، (" وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ ") أَيِ: الْمَوْضُوعَةِ عَلَى رَأْسِكَ (" إِلَى رَأْسِكَ " رَوَاهُ) : كَذَا هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ، وَأُلْحِقَ فِي الْحَاشِيَةِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ. جَزَرِيٌّ وَأُلْحِقَ فِي نُسْخَةٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>