قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ طَعَنَ الْخَلَفُ فِي السَّلَفِ، وَذَكَرُوهُمْ بِالسُّوءِ، وَلَمْ يَقْتَدُوا بِهِمْ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَكَأَنَّهُ لَعَنَهُمْ. أَقُولُ: إِذَا كَانَتِ الْحَقِيقَةُ مُتَحَقِّقَةً فَمَا الْمُحْوِجُ إِلَى الْعُدُولِ عَنْهَا إِلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَقَدْ كَثُرَتْ كَثْرَةً لَا تَخْفَى فِي الْعَالَمِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي حَقِّ الْأَوَّلِينَ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: ١٠٠] ، وَقَالَ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: ١٨] وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَشْحُونَانِ بِمَنَاقِبِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ نَصَرُوا نَبِيَّهُمْ فِي اجْتِهَادِهِ، وَجَاهَدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، فَتَحُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ، وَحَفِظُوا الْأَحْكَامَ وَسَائِرَ الْعُلُومِ مِنْ سَيِّدِ الْأَنَامِ، وَانْتَفَعُوا بِهِمْ عُلَمَاءُ الْأَعْلَامِ وَمَشَايِخُ الْكِرَامِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنْ نَقُولَ فِي حَقِّهِمْ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] ، وَقَدْ ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ لَاعِنَةٌ مَلْعُونَةٌ، إِمَّا كَافِرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ، حَيْثُ لَمْ يَكْتَفُوا بِاللَّعْنِ وَالطَّعْنِ فِي حَقِّهِمْ، بَلْ نَسَبُوهُمْ إِلَى الْكُفْرِ بِمُجَرَّدِ أَوْهَامِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَأَفْهَامِهِمُ الْكَاسِدَةِ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَخَذُوا الْخِلَافَةَ وَهِيَ حَقُّ عَلِيٍّ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَلَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِ الْمُنْكِرِينَ، وَأَيُّ دَلِيلٍ لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَكُونُ نَصًّا عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، ثُمَّ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ اجْتِهَادٍ، فَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ، غَايَتُهُ أَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ كَانَ مُسِيئًا، فَلَعَلَّهُ مَاتَ تَائِبًا، أَوْ بَاقِيًا تَحْتَ الْمَشِيئَةِ مَعَ غَالِبِ رَجَاءِ الْمَغْفِرَةِ وَالشَّفَاعَةِ بِبَرَكَةِ الْخِدْمَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ - مَرْفُوعًا: يَكُونُ لِأَصْحَابِي زَلَّةٌ، يَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ ; لِسَابِقَتِهِمْ مَعِي. فَنَحْنُ مَعَ كَثْرَةِ ذُنُوبِنَا مِنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، إِذَا كُنَّا رَاجِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا وَشَفَاعَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ بِأَكَابِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَبِأَنْصَارِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ طَائِفَةَ الرَّافِضَةِ الْمَرْفُوضَةِ، الْبَاغِضَةِ الْمَبْغُوضَةِ، أَفْسَقُ الْخَلْقِ وَأَظْلَمُهُمْ، وَأَحْمَقُ الْعَالَمِينَ وَأَجْهَلُهُمْ، فَطُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، هَذَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَذْكُرُوا مَوْتَاكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ» ". وَقَالَ: " «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» ".
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنَ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُمَا كُفْرٌ، وَحُبُّ الْأَنْصَارِ مِنَ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَحُبُّ الْعَرَبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَمَنْ حَفِظَنِي فِيهِمْ فَأَنَا أَحْفَظُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". (" فَارْتَقِبُوا ") : جَوَابُ إِذَا، وَالْمَعْنَى: فَانْتَظِرُوا (" عِنْدَ ذَلِكَ ") أَيْ: عِنْدَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ (" رِيحًا حَمْرَاءَ ") أَيْ: شَدِيدَةً فِي الْهَوَاءِ (" وَزَلْزَلَةً ") أَيْ: حَرَكَةً عَظِيمَةً لِلْأَرْضِ (" وَخَسْفًا ") أَيْ: ذَهَابًا فِي الْأَرْضِ وَغَيْبُوبَةً فِيهَا (" وَمَسْخًا ") : بِتَغْيِيرِ الصُّوَرِ عَلَى طِبْقِ اخْتِلَافِ تَغَيُّرِ السِّيَرِ (" وَقَذْفًا ") أَيْ: رَمْيَ حِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ (" وَآيَاتٍ ") أَيْ: عَلَامَاتٍ أُخَرَ لِدُنُوِّ الْقِيَامَةِ وَقُرْبِ السَّاعَةِ، (" تَتَابَعُ ") : بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا (" كَنِظَامٍ ") : بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ: عِقْدٍ مِنْ نَحْوِ جَوْهَرٍ وَخَرَزٍ (" قُطِعَ سِلْكُهُ ") : بِكَسْرِ السِّينِ أَيِ: انْقَطَعَ خَيْطُهُ (" فَتَتَابَعَ ") أَيْ: مَا فِيهِ مِنَ الْخَرَزِ، وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ بِخِلَافِ الْمَاضِي، فَإِنَّهُ حَالٌ أَوِ اسْتِقْبَالٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ: وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ، فَانْقَطَعَ السِّلْكُ فَيَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute