للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٤٧١ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك ف ر» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٥٤٧١ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ") أَيْ: خَوَّفَهُمْ بِهِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ بَعْدَ أَنْ يَنْزِلَ، وَيَحْكُمُ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ; لِأَنَّ تَعْيِينَ وَقْتِ خُرُوجِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُمْ حِينَ أَنْذَرُوا قَوْمَهُمْ، وَأَيْضًا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ، عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَقْتُ خُرُوجِهِ وَعَلَامَاتُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ وَقْتُ خُرُوجِهِ، فَأَخْبَرَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِبْهَامَ إِنَّمَا وَقَعَ بِسَبَبِ أَنَّ الْعَلَامَاتِ قَدْ يَكُونُ وُجُودُهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، فَإِذَا فُقِدَ يُتَصَوَّرُ خُرُوجُهُ بِعَدَمِ ظُهُورِهَا، وَنَظِيرُهُ خَوْفُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - مَعَ تَحَقُّقِ عِصْمَتِهِمْ، وَثُبُوتِ أَمْنِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ، وَكَذَلِكَ خَشْيَةُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ عَلَى لِسَانِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ; أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ، وَأَفْعَالُهُ لَا تُعَلَّلُ وَالْأَسْبَابُ لَا يَتَعَيَّنُ وُجُودُهَا، وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا أَيْضًا بَعْدَ حُصُولِهَا، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي السِّرِّ إِلَيْهِمْ، حَتَّى ظَهَرَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الدِّينِ الْأَقْوَمِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. أَوْ يُقَالُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالدَّجَّالِ كُلُّ مَنْ يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ مِنَ الرِّجَالِ، كَفِرْعَوْنَ، وَشَدَّادٍ، وَنُمْرُوذَ، وَسَائِرِ الْأَبْطَالِ، وَلَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ نُقْصَانِ الْعَوَرِ، سَوَاءٌ مِمَّا بَطَنَ فِيهِ أَوْ ظَهَرَ، عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ، لَكِنْ إِذَا جَاءَ الْقَدَرُ عَمِيَ الْبَصَرُ، وَبَطَلَ الْحَذَرُ، وَيَكُونُ الدَّجَّالُ الْمَوْعُودُ أَشَرَّ وَفِتْنَةً وَبَلِيَّةً عَلَى الْعَامَّةِ أَظْهَرَ، وَكِبْرِيَاءُ رَبِّنَا وَعَظَمَتُهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ كُنْهُهُ أَوْ يُقَدَّرَ، وَمَظَاهِرُ تَجَلِّيَاتِهِ الْجَمَالِيَّةِ وَالْجَلَالِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَتُحْصَرَ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَدْيَنَ الْمَغْرِبِيُّ:

لَا تُنْكِرِ الْبَاطِلَ فِي طَوْرِهِ فَإِنَّهُ بَعْضُ ظُهُورَاتِهِ

فَيَنْبَغِي لِلسَّالِكِ أَنْ يَقُولَ دَائِمًا بَعْدَ امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي: إِلَهِي أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا، وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، وَأَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَارْتِكَابَهُ. (" أَلَا ") : لِلتَّنْبِيهِ (" إِنَّهُ ") أَيِ: الدَّجَّالَ (" أَعْوَرُ ") أَيْ: وَهُوَ الْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِلشَّرِّ، (" وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ") ، أَيْ: تَنَزَّهَ أَنْ يَكُونَ نَاقِصًا وَمَعِيبًا فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ بَابِ التَّنَزُّلِ إِلَى عَقْلِ الْعَوَامِّ وَفُهُومِهِمْ، كَمَا وَرَدَ: كَلِّمِ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ، وَنَظِيرُهُ مَا فِي التَّنْزِيلِ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: ١٩٤ - ١٩٥] ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْأَصْنَامَ مَعَ كَمَالِ عَجْزِهِنَّ وَنُقْصَانِ آلَاتِهِنَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَابِدِينَ، كَيْفَ يَصْلُحْنَ أَنْ يَكُنَّ فِي مَرْتَبَةِ الْمَعْبُودِينَ؟ وَلَيْسَ الْقَصْدُ أَنَّهُنَّ لَوْ فُرِضَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ ثَابِتَةً لَهُنَّ، لَكَانَ يَجُوزُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>