للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(" فَيَقُولُ الدَّجَّالُ ") أَيْ: لِمَنْ حَوْلَهُ (" أَرَأَيْتُمْ ") أَيْ: أَخْبِرُونِي (" إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ ") ؟ أَيْ أَمْرِي، وَقِيلَ أَيْ: فِي أَنَّهُ لَهُ (فَيَقُولُونَ: لَا ") ، أَيْ: لَا نَشُكُّ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّفْيُ إِلَى إِثْبَاتِ الْأَمْرِ أَوْ نَفْيِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا قَوْلُ الدَّجَّالِ: إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَقَدْ يُشْكِلُ ; لِأَنَّ مَا أَظْهَرَهُ الدَّجَّالُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ ; لِظُهُورِ النَّقْصِ عَلَيْهِ وَدَلَائِلِ الْحُدُوثِ وَتَشْوِيهِ الذَّاتِ وَشَهَادَةِ كَذِبِهِ وَكُفْرِهِ الْمَكْتُوبَةِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ لَعَلَّهُمْ قَالُوهُ خَوْفًا مِنْهُ لَا تَصْدِيقًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا لَا نَشُكُّ فِي كَذِبِكَ وَكُفْرِكَ، فَإِنَّ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَكَذِبِهِ كَفَرَ، وَخَادَعُوهُ بِهَذِهِ التَّوْرِيَةِ خَوْفًا مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: لَا نَشُكُّ هُمْ مُصَدِّقُوهُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ قَدَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَقَاوَتَهُ، (" فَيَقْتُلُهُ ") أَيِ: الرَّجُلَ عَلَى مَا سَبَقَ (" ثُمَّ يُحْيِيهِ) أَيْ: وَيَسْأَلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (" فَيَقُولُ ") أَيِ: الْمَقْتُولُ (" وَاللَّهِ مَا كُنْتُ ") أَيْ: فِي سَابِقِ الْأَيَّامِ (" فِيكَ ") أَيْ: فِي بُطْلَانِكَ (" أَشَدَّ بَصِيرَةً ") أَيْ: يَقِينًا (" مِنِّي ") : مُتَعَلِّقٌ بِأَشَدَّ (" الْيَوْمَ ") : بِالنَّصْبِ ظَرْفٌ لِأَشَدَّ (" فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلَا يُسَلَّطُ ") : بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: فَلَا يَقْدِرُ (" عَلَيْهِ ") أَيْ: عَلَى قَتْلِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ثُمَّ فِي عَجْزِ الدَّجَّالِ آخِرًا دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قُدْرَتَهُ أَوَّلًا كَانَتْ حَادِثَةً عَارِضَةً مُسْتَعَارَةً لِلِاسْتِدْرَاجِ بِهِ وَالِابْتِلَاءِ لِغَيْرِهِ، فَسُلِبَتْ عَنْهُ كَمَا سَتُنْزَعُ عَنْهُ رُوحُهُ، فَيَبْقَى جِيفَةً مُلْقَاةً بِالْأَرْضِ يَأْكُلُ مِنْهَا الْكِلَابُ، وَمَا أَحْسَنَ مَنْ قَالَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَلْبَابِ: مَا لِلتُّرَابِ وَرَبِّ الْأَرْبَابِ. قَالَ الْكَلَابَاذِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ عِنْدَ حَرَكَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَحَلِّ قُدْرَتِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ اخْتِبَارًا لِلْخَلْقِ ; لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>