إِنْ خَالَفُوهُ اجْتَاحَهُمْ وَاسْتَأْصَلَهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الصَّرْفَةِ، صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الطَّعْنِ فِيهِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَيْهِ، وَتَفَوَّهَ بِمَا ذُكِرَ عَنْهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَيْهِ وَالْمَأْخُوذِ عَلَيْهِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِهِ تَأْيِيدًا لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ
(" وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي: إِنِّي ") : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهِ (" أَنَا الْمَسِيحُ ") أَيِ: الدَّجَّالُ.
(" وَإِنِّي ") : بِالْوَجْهَيْنِ (" يُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ، فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعُ ") : بِالنَّصْبِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَجُوِّزَ رَفْعُهَا، أَيْ: فَلَا أَتْرُكُ (" قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ") : ظَرْفٌ لِأَسِيرَ، وَعَدَمُ التَّرْكِ إِشْعَارٌ بِقُوَّةِ سِيَاحَتِهِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ وُجُوهِ تَسْمِيَتِهِ بِالْمَسِيحِ، عَلَى أَنَّ فَعِيلَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، لِكَوْنِ سِيَاحَتِهِ مُرُورًا كَالْمَسِيحِ، (" غَيْرَ مَكَّةَ ") : اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي وَقَعَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الْمُنْصَبِّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، (" وَطَيْبَةَ ") : عَطْفٌ عَلَى مَكَّةَ، وَهِيَ بِفَتْحِ طَاءٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَدِينَةِ كَطَابَةَ، (" هُمَا ") أَيْ: مَكَّةُ وَطَيْبَةُ (" مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ ") أَيْ: مَمْنُوعَتَانِ عَلَيَّ دُخُولُهُمَا (" كِلْتَاهُمَا ") : تَأْكِيدٌ لَهُمَا، ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ الْمَنْعِ بِقَوْلِهِ (" كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدًا ") أَيْ: حَرَمًا وَاحِدًا (" مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ") : بِفَتْحِ الصَّادِ وَيُضَمُّ أَيْ مُجَرَّدًا عَنِ الْغِمْدِ. قَالَ شَارِحٌ: هُوَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ، حَالٌ عَنِ الْمَلَكِ أَوِ السَّيْفِ، أَيْ مُصْلَتًا أَوْ مُصْلِتًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَصْلَتَ سَيْفَهُ أَيْ جَرَّدَهُ مِنْ غِلَافِهِ، وَقَوْلُهُ: (" يَصُدُّنِي عَنْهَا ") أَيْ: يَمْنَعُنِي عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ حَالٌ وَالضَّمِيرُ لِلْمَلَكِ، أَوِ السَّيْفِ مَجَازًا، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي اللِّسَانِ، وَالْمَحْظُورُ فِي الْجَنَانِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعًا لِلضَّمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ، كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، (" وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ ") : بِفَتْحِ نُونٍ وَسُكُونِ قَافٍ أَيْ طَرِيقٍ أَوْ بَابٍ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ (" مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا ") أَيْ: يَحْفَظُونَهَا عَنِ الْآفَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَلَكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَعَنَ) أَيْ: وَقَدْ طَعَنَ أَيْ ضَرَبَ (بِمِخَصَرَتِهِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ أَيْ بِعَصَاهُ (فِي الْمِنْبَرِ) أَيْ: عَلَيْهِ فَفِي بِمَعْنَى " عَلَى " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] ، أَوَ فِي الطَّعْنِ تَضْمَنُ الْإِيقَاعَ؟ كَقَوْلِهِ: يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي. وَفِي الْفَائِقِ: هِيَ قَضِيبٌ يُشِيرُ بِهِ الْخَطِيبُ أَوِ الْمَلِكُ إِذَا خَاطَبَ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمِخْصَرَةُ كَالسَّوْطِ، وَكُلُّ مَا اخْتَصَرَ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ فَأَمْسَكَهُ مِنْ عَصًا وَنَحْوِهِا، فَهُوَ مِخْصَرَةٌ. وَقَالَ شَارِحٌ: الْمِخْصَرَةُ مَا يُمْسِكُهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ مِنْ قَضِيبٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِمَا، فَيَضَعُ تَحْتَ خَاصِرَتِهِ وَيَتَّكِئُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: هِيَ كَالسَّوْطِ، (" هَذِهِ طَيْبَةُ ") الْجُمْلَةُ مَقُولٌ لَقَالَ، وَمَا بَيْنَهُمَا حَالٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ (" هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَهُ ") : كَرَّرَهَا ثَلَاثًا لِلتَّأْكِيدِ، (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) أَيْ: يُرِيدُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: هَذِهِ - الْمَوْضُوعَةُ لِلْإِشَارَةِ الْمَحْسُوسَةِ - الْمَدِينَةَ الْمَحْرُوسَةَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا وَافَقَ هَذَا الْقَوْلُ مَا كَانَ حَدَّثَهُمْ بِهِ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَسُرَّ بِهِ (فَقَالَ: " أَلَا ") أَيْ: تَنَبَّهُوا (" هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ") ؟ أَيْ: بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمُطَابِقٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، (فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ أَلَا) : لِلتَّنْبِيهِ (" إِنَّهُ ") أَيِ: الدَّجَّالَ (" فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ") : قِيلَ: لَمَّا حَدَّثَهُمْ بِقَوْلِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، لَمْ يَرَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَوْطِنَهُ وَمَجْلِسَهُ كَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute