وَالْيُسْرَى نَاتِئَةٌ جَاحِظَةٌ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ، وَهِيَ الطَّافِيَةُ بِلَا هَمْزٍ، (" كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ ") ، قَالَ الْجَزَرِيُّ: ضَبَطْنَاهُ بِالتَّكَلُّمِ وَالْخِطَابِ وَهُوَ أَوْضَحُ. قُلْتُ: أَكْثَرُ النُّسَخِ عَلَى التَّكَلُّمِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي مَقَامِ التَّشْبِيهِ مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ ثُمَّ الْكَافُ مَزِيدَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ، وَالْمَعْنَى: هُوَ أَشْبَهُ مَنْ أَبْصَرْتُهُ مِنَ النَّاسِ (" بِابْنِ قَطَنٍ ") : بِفَتْحَتَيْنِ وَاحِدٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِأَشْبَهِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ: أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الشَّبَهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ. (" وَاضِعًا ") : أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ (" يَدَيْهِ ") : حَالٌ مِنَ الدَّجَّالِ (" عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ ") : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا مَنْ يُعَاوِنُهُ عَلَى بَاطِلِهِ مِنْ أُمَرَائِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّجُلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَنْ يُسَاعِدَانِ الْمَسِيحَ عَلَى حَقِّهِ، وَلَعَلَّهُمَا الْخَضِرُ وَالْمَهْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ، (" يَطُوفُ بِالْبَيْتِ) : فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ هَذَا الْجَانِبِ، وَلَا يُفْتَحُ لَهُمْ غَرَضٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: ١٢٥] إِيمَاءٌ إِلَى ذَلِكَ ; وَلِذَا وُجِدَ الْكُفَّارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَزَمَنِ الْبَعْثَةِ مَا كَانُوا يَتْرُكُونَ الطَّوَافَ، وَالْآنَ أَيْضًا يَتَمَنَّى الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنْ يَتَشَرَّفُوا بِرُؤْيَةِ هَذَا الْبَيْتِ وَالطَّوَافِ حَوْلَهُ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: طَوَافُ الدَّجَّالِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، مَعَ أَنَّهُ كَافِرٌ، مُئَوَّلٌ بِأَنَّ رُؤْيَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُكَاشَفَاتِهِ، كُوشِفَ بِأَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صُورَتِهِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يَنْزِلُ عَلَيْهَا يَطُوفُ حَوْلَ الدِّينِ ; لِإِقَامَةِ أَوْدِهِ وَإِصْلَاحِ فَسَادِهِ، وَأَنَّ الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ الْكَرِيهَةِ الَّتِي سَتَظْهَرُ يَدُولُ حَوْلَ الدِّينِ يُبْقِي الْعِوَجَ وَالْفَسَادَ، (" فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ") .
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِالْمَسِيحِ فِي أَحَبِّ الْوُجُوهِ إِلَيْنَا أَنَّ الْخَيْرَ مُسِحَ عَنْهُ ; فَهُوَ مَسِيحُ الضَّلَالَةِ، كَمَا أَنَّ الشَّرَّ مُسِحَ عَنْ مَسِيحِ الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ سُمِّيَ عِيسَى بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ بِيَدِهِ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَمْسَحَ الرِّجْلِ لَا أَخْمَصَ لَهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْضَ أَيْ يَقْطَعُهَا، وَقِيلَ: الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ، وَسُمِّيَ الدَّجَّالُ بِهِ لِأَنَّ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَمْسُوحَةٌ لَا يُبْصِرُ بِهَا، وَالْأَعْوَرُ يُسَمَّى مَسِيحًا انْتَهَى. وَلِأَنَّهُ يَسْمَحُ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ جَمِيعَ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَوُصِفَ بِالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ لِأَنَّ الْمَسِيحَ وَصْفٌ غَلَبَ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَوُصِفَ بِالدَّجَّالِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قِيلَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ الْإِسْرَاءِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الدَّجَّالِ) أَيْ: فِي حَقِّهِ وَشَأْنِهِ (" رَجُلٌ ") أَيْ هُوَ رَجُلٌ (" أَحْمَرُ ") أَيْ: لَوْنًا (" جَسِيمٌ ") أَيْ: بَدَنًا (" جَعْدُ الرَّأْسِ ") أَيْ: شَعَرًا (" أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ ") .
(وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ". فِي بَابِ الْمَلَاحِمِ) .
(وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ (ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ إِلَخْ فِي بَابِ قِصَّةِ ابْنِ صَيَّادٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: سَنَذْكُرُ، وَكَانَ الْمُؤَلِّفُ رَأَى أَنَّ ذِكْرَهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute