الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٥٥٠٩ - (عَنْ شُعْبَةَ) : أَحَدِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (عَنْ قَتَادَةَ) : تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ ") : بِالرَّفْعِ فِي بَعْضٍ، وَفَى بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّصْبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِيَ بِنَصْبِ السَّاعَةِ وَرَفْعِهَا. قَالَ شَارِحٌ مِنْ عُلَمَائِنَا: السَّاعَةُ مَرْفُوعَةٌ رِوَايَةً، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى " مَعَ "، (" كَهَاتَيْنِ ") ، قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ تَقَدُّمِ بَعْثَتِهِ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، كَنِسْبَةِ فَضْلِ إِحْدَى الْإِصْبُعَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى انْتَهَى، وَهُوَ الْمَعْنَى بِمَا قِيلَ: كَفَضْلِ الْوُسْطَى عَلَى السَّبَّابَةِ فِي السَّبْقِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شَدَّادٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: كَفَصْلِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ; لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ قَلِيلِ الِانْفِصَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ ارْتِبَاطَ دَعْوَتِهِ بِالسَّاعَةِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهَا عَنِ الْأُخْرَى، كَمَا أَنَّ السَّابِقَةَ لَا تَفْتَرِقُ عَنِ الْوُسْطَى، وَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا. وَقَالَ شَارِحٌ آخَرُ: يُرِيدُ أَنَّ دِينَهُ مُتَّصِلٌ بِقِيَامِ السَّاعَةِ لَا يَفْصِلُهُ عَنْهُ دِينٌ آخَرُ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا دَعْوَةٌ أُخْرَى، كَمَا لَا يَفْصِلُ شَيْءٌ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ الْحَدِيثُ الْآتِي لِلْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ. قُلْتُ: فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ فِي كُلِّ حَدِيثٍ رُوعِيَ مَعْنًى لَمْ يُرَاعَ فِي الْآخَرِ، إِذِ التَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ، عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُلَاحَظَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ، إِذْ لَا تَدَافُعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي رَأْيِ الْعَيْنَيْنِ، نَعَمْ يُفْهَمُ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إِغْرَاقٌ فِي التَّشْبِيهِ الْقُرْبِيِّ مَا لَا يُفْهَمُ مِنَ الثَّانِي ; وَلِذَا اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مُوَافَقَتُهُ لِتَفْسِيرِ الرَّاوِي.
(قَالَ شُعْبَةُ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ) : بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَصَّ يَقُصُّ، بِمَعْنَى يَعِظُ أَوْ يَحْكِي الْقِصَّةَ، أَوْ يُحَدِّثُ وَيَرْوِي، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣] ، وَفَى نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهِيَ جَمْعُ قِصَّةٍ، وَالْمَعْنَى فِي قَصَصِ قَتَادَةَ أَيْ: تَحْدِيثُهُ أَوْ تَفْسِيرُ حَدِيثِهِ، (كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا) أَيْ: إِحْدَى الْإِصْبُعَيْنِ (عَلَى الْأُخْرَى) ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا، بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: كَهَاتَيْنِ، مُوَضِّحٌ لَهُ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَالرَّفْعُ عَلَى الْعَطْفِ، وَالْمَعْنَى: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ بَعْثًا مُتَفَاضِلًا مِثْلَ فَضْلِ إِحْدَاهُمَا، وَمَعْنَى النَّصْبِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى هَذَا، يَعْنِي: لَا بُدَّ عَلَى قَصْدِ الْمَعِيَّةِ، لَكِنْ يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بِقَوْلِهِ: " «بُعِثْتُ فِي نَفَسِ السَّاعَةِ» ": بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ فِي قُرْبِهَا. (فَلَا أَدْرِي أَذْكَرَهُ) أَيْ: قَتَادَةُ (عَنْ أَنَسٍ) أَيْ: مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا (أَوْ قَالَهُ قَتَادَةُ) ؟ أَيْ: مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَتِلْقَاءَ رَأْيِهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ حَتَّى يَثْبُتَ الْآخَرُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَا رَوَى أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute