الْقِيَامَةُ الصُّغْرَى انْتَهَى. وَهُوَ يُؤَيِّدُ تَقْسِيمَنَا الْمُتَقَدِّمَ فِي السَّاعَةِ (" مَا عَلَى الْأَرْضِ ") : مَا: نَافِيَةٌ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ (" مِنْ نَفْسٍ ") : زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَقَوْلُهُ: (مَنْفُوسَةٌ ") صِفَةُ نَفْسٍ، وَكَذَا مَا يَأْتِي، وَالْمَعْنَى: مَا مِنْ نَفْسٍ مَوْلُودَةٍ الْيَوْمَ (" يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ ") ، يُقَالُ: نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ غُلَامًا بِالْكَسْرِ، وَنُفِسَتْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إِذَا وَلَدَتْ نَفْسًا، فَهِيَ نَافِسٌ وَنُفَسَاءُ، وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا سَقَطَ الْمَنْفُوسُ بَيْنَ الْقَوَابِلِ
قَالَ الْأَشْرَفُ: مَعْنَاهُ مَا تَبْقَى نَفْسٌ مَوْلُودَةٌ الْيَوْمَ مِائَةَ سَنَةٍ، أَرَادَ بِهِ مَوْتَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ عَاشَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ انْتَهَى. وَمِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَلْمَانُ وَغَيْرُهُمَا. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا تَعِيشُ نَفْسٌ مِائَةَ سَنَةٍ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي ; فَلَا حَاجَةَ إِلَى اعْتِبَارِ الْغَالِبِ، فَلَعَلَّ الْمَوْلُودِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ انْقَرَضُوا قَبْلَ تَمَامِ الْمِائَةِ مِنْ زَمَانِ وُرُودِ الْحَدِيثِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى اسْتِدْلَالُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَى بَابَارْتِنْ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنِ ادَّعَى الصُّحْبَةَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ إِلَى الْمِائَتَيْنِ وَالزِّيَادَةِ. بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حَيَاةِ الْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ، وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْحَيَاةِ، اثْنَانِ فِي الْأَرْضِ: الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ، وَاثْنَانِ فِي السَّمَاءِ: عِيسَى وَإِدْرِيسُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِمْ، أَوِ الْمُرَادُ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ مِنْ أُمَّتِي، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ نَبِيٌّ آخَرُ، وَقِيلَ: قَيْدُ الْأَرْضِ يُخْرِجُ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ ; فَإِنَّهُمَا كَانَا عَلَى الْبَحْرِ حِينَئِذٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute