الْمُبَالَغَةُ (فِي كَبِدِ جَبَلٍ) أَيْ: وَسَطَهُ وَجَوْفَهُ، وَمِنْهُ كَبِدُ السَّمَاءِ وَسَطُهَا (لَدَخَلَتْهُ) أَيْ: كَبِدَ الْجَبَلِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَحَدِكُمْ (حَتَّى تَقْبِضَهُ) . قَالَ: (فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ) : بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ. قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُرَادُ بِخِفَّةِ الطَّيْرِ اضْطِرَابُهَا وَتَنَفُّرُهَا بِأَدْنَى تَوَهُّمٍ شَبَّهَ حَالَ الْأَشْرَارِ فِي تَهَتُّكِهِمْ وَعَدَمِ وَقَارِهِمْ وَثَبَاتِهِمْ وَاخْتِلَالِ رَأْيِهِمْ، وَمَيْلِهِمْ إِلَى الْفُجُورِ وَالْفَسَادِ بِحَالِ الطَّيْرِ. (وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ) أَيْ: وَفِي عُقُولِهَا النَّاقِصَةِ، جَمْعُ حُلُمٍ بِالضَّمِّ، أَوْ جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرَةِ، فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ خَالِينَ عَنِ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ، بَلِ الْغَالِبُ عَلَيْهِمُ الطَّيْشُ وَالْغَضَبُ وَالْوَحْشَةُ وَالْإِتْلَافُ وَالْإِهْلَالُ وَقِلَّةُ الرَّحْمَةِ، (لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا) : بَلْ يَعْكِسُونَ فِيمَا يَفْعَلُونَ، (فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ) أَيْ: يَتَصَوَّرُ لَهُمْ بِصُورَةِ إِنْسَانٍ، فَكَانَ التَّشَكُّلُ أَقْوَى عَلَى التَّسَلُّطِ فِي الضَّلَالَةِ مِنْ طَرِيقِ الْوَسْوَسَةِ ; وَلِذَا قَدَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: ١١٢] ، (فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ) أَيْ: مِنَ اللَّهِ فِي تَرْكِ عِبَادَتِهِ وَالتَّوَسُّلِ إِلَى مَقَامِ قُرْبَتِهِ (فَيَقُولُونَ: فَمَاذَا تَأْمُرُنَا) ؟ أَيْ: بِهِ نَمْتَثِلُهُ، فَمَا مَوْصُولَةٌ أَوِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، فَالْمَعْنَى: فَأَيُّ شَيْءٍ تَأْمُرُنَا لِنُطِيعَكَ فِيهِ؟ (فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ) أَيْ: تَوَسُّلًا إِلَى رِضَا الرَّحْمَنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣] ، {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: ١٨] ، {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [التوبة: ٣٧] ، (وَهُمْ فِي ذَلِكَ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَوْصَافِ الرَّدِيئَةِ وَالْعِبَادَاتِ الْوَثَنِيَّةِ (دَارٌّ) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ كَثِيرٌ (رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ) : فَالْأَوَّلُ إِشَارَةٌ إِلَى الْكَمِّيَّةِ، وَالثَّانِي إِلَى الْكَيْفِيَّةِ، أَوِ الْأَوَّلُ إِيمَاءٌ إِلَى كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَنْهَارِ، وَإِثْمَارِ الْأَشْجَارِ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْأَمْنِ وَعَدَمِ الظُّلْمِ وَكَثْرَةِ الصِّحَّةِ وَالْغِنَى بِالْمَالِ وَالْجَاهِ، (ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَالنَّافِخُ هُوَ إِسْرَافِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا) : بِكَسْرِ اللَّامِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ أَمَالَ صَفْحَةَ عُنُقِهِ خَوْفًا وَدَهْشَةً. (وَرَفَعَ لِيتًا) ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا أَنَّ السَّامِعَ يَصْعَقُ فَيُصْغِي لِيتًا وَيَرْفَعُ لِيتًا، أَيْ: يَصِيرُ رَأْسُهُ هَكَذَا، وَكَذَلِكَ شَأْنُ مَنْ يُصِيبُهُ صَيْحَةٌ فَيُشَقُّ قَلْبُهُ، فَأَوَّلُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ سُقُوطُ رَأْسِهِ إِلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ ; فَأَسْنَدَ الْإِصْغَاءَ إِلَيْهِ إِسْنَادَ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ.
(قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ) أَيْ: يُطَيِّنُ وَيُصْلِحُ (حَوْضَ إِبِلِهِ فَيَصْعَقُ) أَيْ: يَمُوتُ هُوَ أَوَّلًا (وَيَصْعَقُ النَّاسُ) أَيْ: مَعَهُ، (ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ) : بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيِ: الْمَطَرُ الضَّعِيفُ الصَّغِيرُ الْقَطْرِ (فَيَنْبُتُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ أَجْلِهِ وَسَبَبِهِ (أَجْسَادُ النَّاسِ) أَيِ: النَّخِرَةُ فِي قُبُورِهِمْ (ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ; فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) ، وَبَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ عَامًا عَلَى مَا سَيَأْتِي، (ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! هَلُمَّ) : فِي الْقَامُوسِ: هَلُمَّ يُقَالُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَاءِ التَّنْبِيهِ وَمِنْ لَمْ أَيْ: ضُمَّ نَفْسَكَ إِلَيْنَا، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ، فَالْمَعْنَى: تَعَالَوْا أَوِ ارْجِعُوا وَأَسْرِعُوا إِلَى رَبِّكُمْ، (قِفُوهُمْ) ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: (وَقِفُوهُمْ) بِالْعَاطِفَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ، يُقَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ أَيْ: يُقَالُ لِلنَّاسِ هَلُمَّ، وَيُقَالُ لِلْمَلَائِكَةِ قِفُوهُمْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute