٥٥٤٢ - وَعَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٥٤٢ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ) ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: مَذْهَبُ أَهْلِ السَّلَامَةِ مِنَ السَّلَفِ التَّوَرُّعُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْقَوْلِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْأَمْثَلُ وَالْأَحْوَطُ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْكَشْفَ عَنِ السَّاقِ مَثَلٌ فِي شِدَّةِ الْأَمْرِ، وَصُعُوبَةِ الْخَطْبِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهَا شَائِعٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ إِشْفَاقِهَا ... وَمِنْ طِرَادِي الطَّيْرَ عَنْ أَرْزَاقِهَا
فِي سَنَةٍ قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: ٤٢] أَيْ: عَنْ شِدَّةٍ، وَتَنْكِيرُ السَّاقِ فِي الْآيَةِ مِنْ دَلَائِلِ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَوَجْهُ تَعْرِيفِ السَّاقِ فِي الْحَدِيثِ دُونَ الْآيَةِ أَنْ يُقَالَ: أَضَافَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا الشِّدَّةُ الَّتِي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ اهـ. وَعِنْدَ الْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ: هُوَ يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَعْنَى يَكْشِفُ عَنْ قُدْرَتِهِ الَّتِي تَكْشِفُ عَنِ الشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ. وَقِيلَ: الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَمُوتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي رَحِمِهَا، فَيَأْخُذُ بِسَاقِهِ لِيُخْرِجَهُ، فَهَذَا هُوَ الْكَشْفُ عَنِ السَّاقِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ أَمْرٍ فَظِيعٍ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْخُذُهُمْ بِالشَّدَائِدِ، كَمَنْ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ بِالتَّشْمِيرِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي أَمْرٍ خَطِيرٍ. (فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ) أَيْ: مِنْ كَمَالِ الشِّدَّةِ يَقَعُونَ فِي السَّجْدَةِ طَالِبِينَ رَفْعَهَا بِتِلْكَ الْقُرْبَةِ، وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ «عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: ٤٢] قَالَ: " عَنْ نُورٍ عَظِيمٍ فَيَخْرُجُونَ لَهُ سُجَّدًا» " فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَتَجَلَّى لِلنَّاسِ تَجَلِّيًا صُورِيًّا، وَبِهَذَا يَنْحَلُّ الْإِشْكَالُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ الْخُلَّصُ مِنْهُمَا ; وَلِذَا قَالَ: (وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً) أَيْ: نِفَاقًا وَشُهْرَةً (فَيَذْهَبُ) أَيْ: يَقْصِدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute