للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْكُفَّارَ (يَتَّقُونَ) أَيْ: يَحْتَرِزُونَ وَيَدْفَعُونَ (بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ) أَيْ: مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ (وَشَوْكٍ) أَيْ: وَنَحْوَهُ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يُتَأَذَّى بِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ وُجُوهَهُمْ وَاقِيَةٌ لِأَبْدَانِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَذَى ; لِأَجْلِ أَنْ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وَالْأَمْرُ فِي الدُّنْيَا عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي هُوَ أَعَزُّ الْأَعْضَاءِ لَمْ يَضَعْهُ سَاجِدًا عَلَى التُّرَابِ، وَعَدَلَ عَنْهُ تَكَبُّرًا، فَجُعِلَ أَمْرُهُ عَلَى الْعَكْسِ.

قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ يُرِيدُ بَيَانَ هَوَانِهِمْ وَاضْطِرَارِهِمْ إِلَى حَدٍّ جَعَلُوا وُجُوهَهُمْ مَكَانَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ فِي التَّوَقِّي عَنْ مُؤْذِيَاتِ الطُّرُقِ وَالْمَشْيِ إِلَى الْمَقْصِدِ ; لَمَّا لَمْ يَجْعَلُوهَا سَاجِدَةً لِمَنْ خَلَقَهَا وَصَوَّرَهَا، وَمِمَّا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ مَا يُحْكَى: أَنَّهُ رُئِيَ بَعْضُ الْأَغْنِيَاءِ أَنَّهُ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى بَغْلَةٍ بِطَرِيقِ الْخُيَلَاءِ، ثُمَّ رُئِيَ فِي بَعْضِ الْبَادِيَةِ وَالصَّحْرَاءِ أَنَّهُ يَمْشِي، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لَمَّا رَكِبْنَا فِي مَحَلِّ الْمَشْيِ عَاقَبَنَا اللَّهُ بِأَنْ نَمْشِيَ فِي مَحَلِّ الرُّكُوبِ، هَذَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: ٢٤] وَفَسَّرُوا بِأَنْ يُلْقَى الْكَافِرُ مَقْلُوبًا فِي النَّارِ، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ النَّارَ إِلَّا بِوَجْهِهِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>