بِالشَّامِ» ) ، (فَوْجًا) : وَهُمُ السَّابِقُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ (رَاكِبِينَ طَاعِمِينَ كَاسِينَ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ مُرْهَفِينَ لِاسْتِعْدَادِهِمْ مَا يُبَلِّغُهُمْ إِلَى الْقَصْدِ مِنَ الزَّادِ وَالرِّحْلَةِ (وَفَوْجًا) : وَهُمُ الْكُفَّارُ (تَسْحَبُهُمْ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ تَجُرُّهُمُ (الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ) : وَهُوَ إِمَّا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ عَنْ كَمَالِ هَوَانِهِمْ وَذُلِّهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِدَلَالَةِ السِّبَاقِ وَاللَّحَاقِ، (وَتَحْشُرُ النَّارُ) : بِنَصْبِ النَّارِ فِي أَصْلِ السَّيِّدِ وَأَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِهَا، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: (وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ) بِالضَّمِيرِ مَعَ نَصْبِ النَّارِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: إِلَيْهَا وَمَعَ رَفْعِهَا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ تَحْشُرُ الْمَلَائِكَةُ لَهُمُ النَّارَ وَتُلْزِمُهُمْ إِيَّاهَا، حَتَّى لَا تُفَارِقَهُمْ أَيْنَ بَاتُوا وَأَيْنَ قَالُوا وَأَصْبَحُوا، وَيَصِحُّ أَنْ تُرْفَعَ النَّارُ أَيْ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ، (وَفَوْجًا) : وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُذْنِبُونَ (يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ) أَيْ: وَيُسْرِعُونَ لَا أَنَّهُمْ يَمْشُونَ بِسَكِينَةٍ وَرَاحَةٍ (وَيُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ) أَيْ: عَلَى الْمَرْكُوبِ تَسْمِيَةً بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَتَعْبِيرًا عَنِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ، (فَلَا يَبْقَى) أَيْ: ظَهْرٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّأْنِيثِ أَيْ دَابَّةٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: فَلَا تُبْقِي الْآفَةُ دَابَّةً (حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ الْحَدِيقَةُ) أَيِ: الْبُسْتَانُ (يُعْطِيهَا بِذَاتِ الْقَتَبِ) أَيْ: بِعِوَضِهَا وَبَدَلِهَا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالتَّاءِ لِلْجَمَلِ كَالْإِكَافِ لِغَيْرِهِ (لَا يَقْدِرُ) أَيْ: أَحَدٌ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى ذَاتِ الْقَتَبِ ; لِعِزَّةِ وُجُودِهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَشْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ حَشْرَ الْقِيَامَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فَبَقِيَ أَنْ يُقَالَ: لِمَ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْحَشْرِ، وَهَذَا مَحَلُّ ذِكْرِهِ بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ قُلْنَا: تَأَسِّيًا بِمُحْيِي السُّنَّةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ مُحْيِيَ السُّنَّةِ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ ; حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْحَشْرُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ إِحْيَاءً، فَأَمَّا الْحَشْرُ بَعْدَ الْبَعْثِ مِنَ الْقُبُورِ، فَعَلَى خِلَافِ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ رُكُوبِ الْإِبِلِ وَالْمُعَاقَبَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ حُفَاةً عُرَاةً، وَأَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ.
وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ فِي كَلَامِ التُّورِبِشْتِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُكُوبَ بَعْضِ الْخَوَاصِّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ ثَابِتٌ فِي الْحَشْرِ بَعْدَ الْبَعْثِ أَيْضًا، وَأَنَّ حَدِيثَ: " يُبْعَثُونَ حُفَاةً عُرَاةً " بِنَاءً عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ، أَوْ نَظَرًا إِلَى ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [الإسراء: ٩٧] ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " «إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْوَاجٍ: فَوْجٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ، وَفَوْجٍ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ، وَفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ» " اهـ. فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْحَشْرَ حَشْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; لِتَصْرِيحِهِ فِي الْآيَةِ، وَالْحَدِيثُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ سَحْبَ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، فَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا مَا أَخْطَأَ الْخَطَّابِيُّ ; حَيْثُ لَمْ يُدْرِكْهُ هَذَا الْمَدْرَكَ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْآفَةُ مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ أَصْلِ الْكِتَابِ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَيُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يُقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ أَدْرَجَهُ مَعَهُ، وَأَدْمَجَهُ فِيهِ بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute