للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٥٥٣ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ! فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ " ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٥٥٥٣ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُجَاءُ) أَيْ: يُؤْتَى (بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ) : وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: ١٠٩] لِأَنَّ الْإِجَابَةَ غَيْرُ التَّبْلِيغِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ لَا يُحِيطُ بِكُنْهِهِ إِلَّا عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ، بِخِلَافِ نَفْسِ التَّبْلِيغِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ (فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ) أَيْ: أُمَّةُ الدَّعْوَةِ (هَلْ بَلَّغَكُمْ) ؟ أَيْ: نُوحٌ رِسَالَتَهُ (فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ) أَيْ: مُنْذِرٌ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، مُبَالَغَةً فِي الْإِنْكَارِ، تَوَهُّمًا أَنَّهُ يَنْفَعُهُمُ الْكَذِبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنِ الْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣] ، (فَقَالَ) أَيْ: لِنُوحٍ (مَنْ شُهُودُكَ) ؟ وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ نُوحٍ شُهَدَاءُ عَلَى تَبْلِيغِهِ الرِّسَالَةَ أُمَّتَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ وَإِنَافَةً لِمَنْزِلَةِ أَكَابِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، (فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ) : وَالْمَعْنَى أَنَّ أُمَّتَهُ شُهَدَاءُ وَهُوَ مُزَكٍّ لَهُمْ، وَقُدِّمَ فِي الذِّكْرِ لِلتَّعْظِيمِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْضًا ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّصْرَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: ٨١] إِلَى قَوْلِهِ: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: ٨١] ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيُجَاءُ بِكُمْ) : وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاضِرٌ نَاظِرٌ فِي ذَلِكَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، فَيُؤْتَى بِالرُّسُلِ وَأَوَّلُهُمْ نُوحٌ، وَيُؤْتَى بِشُهُودِهِ وَهُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ (فَتَشْهَدُونَ) أَيْ: أَنْتُمْ (أَنَّهُ) أَيْ: أَنَّ نُوحًا (قَدْ بَلَّغَ) أَيْ: قَوْمَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَنَبِيُّكُمْ مُزَكٍّ لَكُمْ، أَوْ أَنْتُمْ وَنَبِيُّكُمْ مَعَكُمْ تَشْهَدُونَ، فَفِيهِ تَغْلِيبٌ، (ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : اسْتِشْهَادًا بِالْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي مَادَّةِ الْخُصُوصِ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] ، قِيلَ عُدُولًا وَخِيَارًا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَغْلُوا غُلُوَّ النَّصَارَى، وَلَا قَصَّرُوا تَقْصِيرَ الْيَهُودِ فِي حَقِّ أَنْبِيَائِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَفْسِيرُ الْوَسَطِ بِالْعَدْلِ، فَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ: هُوَ مِنْ وَسَطِ قَوْمِهِ أَيْ خِيَارِهِمْ، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣] أَيْ: عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، {وَيَكُونَ الرَّسُولُ} [البقرة: ١٤٣] أَيْ: رَسُولُكُمْ وَاللَّامُ لِلْعِوَضِ، أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] أَيْ: مُطَّلِعًا وَرَقِيبًا عَلَيْكُمْ، وَنَاظِرًا لِأَفْعَالِكُمْ، وَمُزَكِّيًا لِأَقْوَالِكُمْ.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] مُقَدِّمًا صِلَةَ الشَّهَادَةِ لِيُفِيدَ اخْتِصَاصَهُمْ بِشَهَادَتِهِ عَلَيْهِمْ لِلُزُومِ الْمَضَرَّةِ؟ قُلْتُ: الْكَلَامُ وَارِدٌ فِي مَدْحِ الْأُمَّةِ، فَالْغَرَضُ هُنَا أَنَّهُ يُزَكِّيهِمْ، فَضُمِّنَ شَهِدَ بِمَعْنَى رَقِبَ ; لِأَنَّ الْعُدُولَ تَحْتَاجُ إِلَى رَقِيبٍ يَحْفَظُ أَحْوَالَهُمْ لِيَطَّلِعَ عَلَيْهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَيُزَكِّيَهُمْ، وَلَمَّا كَانُوا هُمُ الْعُدُولَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِكَوْنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا أَيْ رَقِيبًا مُزَكِّيًا، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ مَعَ أَنَّ مُزَكِّيَ الشَّاهِدِ أَيْضًا شَاهِدٌ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ هُوَ أَنَّ الْأُمَّةَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بِأَجْمَعِهِمْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْكُلِّ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، بِأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا بِمَا عَمِلْتُمْ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ رَجُلٌ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيُقَالُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] » الْآيَةَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «أَنَا وَأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْمٍ مُشْرِفِينَ عَلَى الْخَلَائِقِ، مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنَّا، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ إِلَّا وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّهُ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>