عَظِيمَةٌ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ، إِذْ لَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَلَوْ ثَقُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَظُلِمْتَ، (قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ) : بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ أَيْ: فَرْدَةٍ مِنْ زَوْجَيِ الْمِيزَانِ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْكِفَّةُ بِالْكَسْرِ مِنَ الْمِيزَانِ مَعْرُوفٌ وَيُفْتَحُ، (وَالْبِطَاقَةُ) أَيْ: وَتُوضَعُ (فِي كِفَّةٍ) أَيْ: فِي أُخْرَى (فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ) أَيْ: خَفَّتْ (وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ) أَيْ: رَجَحَتْ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، فَفِي الدُّرِّ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٠] فَقَالَ: لِأَنْ تَفْضُلَ حَسَنَاتِي عَلَى سَيِّئَاتِي مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبِطَاقَةُ وَحْدَهَا غَلَبَتِ السِّجِلَّاتِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَعَ سَائِرِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَلَكِنَّ الْغَلَبَةَ مَا حَصَلَتْ إِلَّا بِبَرَكَةِ هَذِهِ الْبِطَاقَةِ، (فَلَا يَثْقُلُ) : بِالرَّفْعِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْجَزْمِ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، أَيْ: فَلَا يَرْجَحُ وَلَا يَغْلِبُ (مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ) وَالْمَعْنَى: لَا يُقَاوِمُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي، بَلْ يَتَرَجَّحُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ الْمَعَاصِي. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] ، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: ٤٥] فَإِنْ قِيلَ: الْأَعْمَالُ أَعْرَاضٌ لَا يُمْكِنُ وَزْنُهَا، وَإِنَّمَا تُوزَنُ الْأَجْسَامُ، أُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُوزَنُ السِّجِلُّ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْأَعْمَالُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ يُجَسِّمُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ فَتُوزَنُ، فَتَثْقُلُ الطَّاعَاتُ وَتَطِيشُ السَّيِّئَاتُ ; لِثِقَلِ الْعِبَادَةِ عَلَى النَّفْسِ وَخِفَّةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهَا ; وَلِذَا وَرَدَ: " «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» ". (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute