[٤] بَابُ الْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٥٥٦٦ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْضَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ، وَالثَّانِي فِي الْجَنَّةِ، وَكِلَاهُمَا يُسَمَّى كَوْثَرًا، وَالْكَوْثَرُ فِي كَلَامِهِمُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، ثُمَّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الْمِيزَانِ ; فَإِنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ عِطَاشًا مِنْ قُبُورِهِمْ ; فَيُقَدَّمُ الْحَوْضُ قَبْلَ الْمِيزَانِ، وَكَذَا حِيَاضُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْمَوْقِفِ. قُلْتُ: وَفِي الْجَامِعِ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَأَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُهُمْ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الشَّفْعُ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى مِثْلِهِ، وَمِنْهُ الشَّفَاعَةُ وَهُوَ الِانْضِمَامُ إِلَى آخَرَ نَاصِرًا لَهُ وَسَائِرًا عَنْهُ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي انْضِمَامِ مَنْ هُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةً إِلَى مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ، وَالشَّفَاعَةُ فِي الْقِيَامَةِ.
٥٥٦٦ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا) : بِالْأَلِفِ (أَنَا بِنَهَرٍ) : بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ جَدْوَلٍ (حَافَتَاهُ) : بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ جَانِبَاهُ وَطَرَفَاهُ (قِبَابُ الدُّرِّ) : بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ قُبَّةٍ بِالضَّمِّ أَيْ: خَيْمِ اللُّؤْلُؤِ (الْمُجَوَّفِ) : الَّذِي لَهُ جَوْفٌ وَفِي وَسَطِهِ خَلَاءٌ يُسْكَنُ فِيهِ، (قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ) ؟ أَيِ: النَّهْرُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَسْطُورِ (قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ) : إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] وَهُوَ فَوَعْلٌ مِنَ الْكَثْرَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ رَبُّهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ النُّبُوَّةِ، أَوْ كَثْرَةِ الْأُمَّةِ، أَوْ سَائِرِ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ، وَمِنْهَا: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، وَاللِّوَاءُ الْمَمْدُودُ، وَالْحَوْضُ الْمَوْرُودُ، وَلَا مُنَافَاةَ، بَلِ الْكُلُّ دَاخِلٌ فِي الْكَوْثَرِ، وَإِنْ كَانَ اشْتِهَارُهُ فِي مَعْنَى الْحَوْضِ أَكْثَرَ. (فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ) أَيْ: شَدِيدُ الرَّائِحَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ طَيِّبُ الرِّيحِ، وَالذَّفَرُ بِالتَّحْرِيكِ يَقَعُ عَلَى الطَّيِّبِ وَالْكَرِيهِ، وَيُفْرَقُ بَيْنَهُمَا بِمَا يُضَافُ إِلَيْهِ وَيُوصَفُ بِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute