٤٥٦ - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ــ
٤٥٦ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ) : جَمْعُ حِينٍ بِمَعْنَى الْوَقْتِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: الذِّكْرُ نَوْعَانِ: قَلْبِيٌّ وَلِسَانِيٌّ. وَالْأَوَّلُ أَعْلَاهُمَا، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: ٤١] وَهُوَ أَنْ لَا يَنْسَى اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ حَالٍ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَظٌّ وَافِرٌ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ إِلَّا فِي حَالَةِ الْجَنَابَةِ وَدُخُولِ الْخَلَاءِ، فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ فِيهِمَا عَلَى النَّوْعِ الَّذِي لَا أَثَرَ فِيهِ لِلْجَنَابَةِ، وَلِذَلِكَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: (" غُفْرَانَكَ ") . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ، إِلَّا فِي الْجَنَابَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الذِّكْرِ الْقُرْآنِيِّ، وَفِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ: (" «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ» ") أَوْ " طَهَارَةٍ " مَحْمُولٌ عَلَى الذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ، وَالْكَرَاهَةُ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ، وَقِيلَ: تُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إِذَا تَيَسَّرَتِ الطِّهَارَةُ، وَأَغْرَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ الذِّكْرَ الْقَلْبِيَّ الْمَحْضَ لَا ثَوَابَ فِيهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ ذِكْرًا مَأْمُورًا بِهِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ فَفِيهِ ثَوَابٌ ; أَيَّ ثَوَابٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" «لِفَضْلِ الذِّكْرِ الْخَفِيِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُهُ الْحَفَظَةُ سَبْعُونَ ضِعْفًا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَجَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ لِحِسَابِهِمْ، وَجَاءَتِ الْحَفَظَةُ بِمَا حَفِظُوا وَكَتَبُوا، قَالَ لَهُمْ: انْظُرُوا هَلْ بَقِيَ لَهُ مِنْ شَيْءٍ؟ فَيَقُولُونَ: مَا تَرَكْنَا شَيْئًا مِمَّا عَلِمْنَاهُ وَحَفِظَاهُ إِلَّا وَقَدْ أَحْصَيْنَاهُ وَكَتَبْنَاهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنَّ لَكَ عِنْدِي حَسَنًا لَا تَعَلَمُهُ وَأَنَا أَجْزِيكَ بِهِ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْخَفِيُّ» ") . كَذَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْبُدُورِ السَّافِرَةِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَفْظُهُ: الذِّكْرُ الَّذِي لَا يَسْمَعُهُ الْحَفَظَةُ يَزِيدُ عَلَى الذِّكْرِ الَّذِي تَسْمَعُهُ الْحَفَظَةُ سَبْعِينَ ضِعْفًا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي (" شُعَبِ الْإِيمَانِ ") عَنْ عَائِشَةَ، فَالْحَدِيثَانِ حُجَّتَانِ ظَاهِرَتَانِ لِلسَّادَةِ النَّقْشَبَنْدِيَّةِ زُبْدَةِ الْقَادَةِ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ أَسْرَارَهُمُ الْعَلِيَّةَ. فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَالْحَقُّ أَنَّ الْأَعْلَى مَا جَمَعَ الْقَلْبَ وَاللِّسَانَ، ثُمَّ اللِّسَانِيُّ، ثُمَّ الْقَلْبِيُّ، مَحْمُولٌ عَلَى غَفْلَتِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ بِالذِّكْرِ مُطْلَقَ الذِّكْرِ سَوَاءٌ أَمَرَهُ الشَّارِعُ بِهِ أَمْ لَا فَيَرُدُّهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى أَنَّ الْحُضُورَ الْقَلْبِيَّ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الذِّكْرَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ: أَنَّ اللِّسَانِيَّ أَعْلَى مِنَ الْقَلْبِيِّ ; لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْقَلْبِيِّ حِينَئِذٍ.
(وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ) : أَيِ: الْمَذْكُورُ فِي الْمَصَابِيحِ هُنَا الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهُوَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِطَعَامٍ فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ أَيْ: قَالُوا لَهُ: أَنَتَوَضَّأُ ثُمَّ نَأْكُلُ؟ فَقَالَ: " أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ، فَأَتَوَضَّأُ» ؟ " بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، أَيْ: مَا أُرِيدُ. (سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) : فَإِنَّهُ أَنْسَبُ بِذَلِكَ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute