مِيمٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ، وَأَصْلُهُ مَخْلُوِيٌّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْمَلَكِ عَلَى الثَّانِي، وَالْمَعْنَى: مُنْفَرِدًا بِهِ، فَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ: خَلَوْتُ بِهِ وَمَعَهُ وَإِلَيْهِ اخْتَلَيْتُ بِهِ، إِذَا انْفَرَدْتَ بِهِ، أَيْ كُلُّكُمْ يَرَاهُ مُنْفَرِدًا بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: " «لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ» ". (قَالَ: " بَلَى) أَيْ نَعَمْ كُلُّنَا يَرَى رَبَّهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو رَزِينٍ (قُلْتُ) وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ (وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟) أَيْ مَا عَلَامَةُ رُؤْيَةِ كُلِّنَا رَبَّهُ بِحَيْثُ لَا يُزَاحِمُهُ شَيْءٌ، وَالْمَعْنَى مَثِّلْ لَنَا ذَلِكَ (فِي خَلْقِهِ) ؟ أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ نَظِيرًا لِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي الدُّنْيَا أُنْمُوذَجًا لِجَمِيعِ مَا فِي الْعُقْبَى. ( «قَالَ: " يَا أَبَا رَزِينٍ، أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مُخْلِيًا بِهِ؟ " قَالَ: بَلَى» ) أَيْ قُلْتُ: بَلَى (قَالَ: " فَإِنَّمَا هُوَ) أَيِ الْقَمَرُ ( «خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ» ) أَيْ وَيَرَاهُ كُلُّنَا (وَاللَّهُ أَجَلُّ) أَيْ أَكْمَلُ مَرْتَبَةً (وَأَعْظَمُ) أَيْ أَفْضَلُ مَنْقَبَةً وَأَعْلَى قُدْرَةً؛ لِأَنَّهُ وَاجِدُ الْوُجُودِ، فَهُوَ أَوْلَى فِي نَظَرِ الْعَقْلِ بِالشُّهُودِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَاسَ الْقَائِلُ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا فِي الْمُتَعَارَفِ، فَإِنَّ الْجَمَّ الْغَفِيرَ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّؤْيَةِ، لَا سِيَّمَا شَيْئًا لَهُ نَوْعُ خَفَاءٍ، فَيَهِيمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بِالِازْدِحَامِ، فَمِنْ رَاءٍ يَرَى رُؤْيَةً كَامِلَةً وَرَاءٍ دُونَهَا، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مُخْلِيًا إِثْبَاتُ كَمَالِهَا، وَلِذَا طَابَقَ الْجَوَابَ بِالتَّشْبِيهِ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا بِالْهِلَالِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute