للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥٦٩٧ - عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى لَنَا يَوْمًا الصَّلَاةَ، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: " قَدْ أُرِيتُ الْآنَ مُذْ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلَاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبَلِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٥٦٩٧ - (عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى) أَيْ إِمَامًا أَوْ جَمَاعَةً (لَنَا يَوْمًا الصَّلَاةَ) اللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ الَّذِي هُوَ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ (ثُمَّ رَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ صَعِدَ (الْمِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فِي قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ إِلَى جَانِبِهَا وَجِهَتِهَا (فَقَالَ: " قَدْ أُرِيتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِرَاءَةِ أَيْ أُبْصِرْتُ (الْآنَ) أَيْ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْقَرِيبِ مِنَ الْمَاضِي وَالِاسْتِقْبَالِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْحَالِ مَعَ مُرَاعَاةِ التَّوْسِعَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ؛ وَلِذَا قَالَ: (مُذْ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلَاةَ) أَيْ حِينَ صَلَّيْتُ، أَوْ مِنِ ابْتِدَاءِ زَمَنِ مَا صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلَاةَ إِلَى أَنْ رَقِيتُ الْمِنْبَرَ (الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ مُصَوَّرَتَيْنِ صُورَةً إِجْمَالِيَّةً أَوْ تَفْصِيلِيَّةً (فِي قِبَلِ هَذَا الْجِدَارِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهِمَا. أَيْ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْقُبُلُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ نَقِيضُ الدُّبُرِ، وَرَأَيْتُهُ قُبُلًا مُحَرَّكَةً وَبِضَمَّتَيْنِ وَكَصُرَدٍ وَكَعِنَبٍ أَيْ عِيَانًا وَمُقَابَلَةً. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: " الْآنَ " لِلْحَالِ وَ " أُرِيتُ " الْمَاضِي، فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ؟ قُلْتُ: قَدْ تُقِرُّ بِهِ لِلْحَالِ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي " صَلَّيْتُ " فَإِنَّهُ لِلْمُضِيِّ الْبَتَّةَ؟ قُلْتُ: كُلُّ مُخْبِرٍ أَوْ مُنْشِئٍ يَقْصِدُ الزَّمَانَ الْحَاضِرَ لَا اللَّحْظَةَ الْحَاضِرَةَ الْغَيْرَ الْمُنْقَسِمَةِ الْمُسَمَّاةَ بِالْحَالِ، انْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَالَ فِي كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِ مَا يُنَاسِبُهُ الْمَقَامُ فِي تَحْصِيلِ الْمَرَامِ. (فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ) أَيْ لَمْ أَرَ مَرْئِيًّا كَمَرْئِيِّ الْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ، وَلَا مَرْئِيًّا كَمَرْئِيِّ الْيَوْمِ فِي الشَّرِّ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ جَامِعَةٌ لِلْخَيْرَاتِ مِنَ الْحُورِ وَالْقُصُورِ، وَالنَّارَ جَائِزَةٌ لِأَنْوَاعِ الشُّرُورِ مِنَ الْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَلَا نَظِيرَ لَهُمَا فِي جَمْعِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْكَافُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَذُو الْحَالِ هُوَ الْمَفْعُولُ، وَهُوَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ لِشَهَادَةِ السَّابِقِ، وَالْمَعْنَى لَمْ أَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ مِثْلَ مَا رَأَيْتُ الْيَوْمَ، أَيْ رَأَيْتُهُمَا رُؤْيَةً جَلِيَّةً ظَاهِرَةً مُثِّلَتَا فِي قِبَلِ هَذَا الْجِدَارِ ظَاهِرًا خَيْرُهَا وَشَرُّهَا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا: " «عُرِضَ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>