مَفْتُوحَاتٍ. أَيْ: ذَهَبَ وَأَسْرَعَ إِسْرَاعًا لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: ٥٧] (فِي أَثَرِهِ) : بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ يُكْسَرُ الْهَمْزُ وَتُسَكَّنُ الْمُثَلَّثَةُ أَيْ: فِي عَقِبِ الْحَجَرِ (يَقُولُ) أَيْ: بِلِسَانِ الْمَقَالِ أَوْ بِبَيَانِ الْحَالِ (ثَوْبِي) أَيْ: أَعْطِنِي ثَوْبِي (يَا حَجَرُ ثَوْبِي) أَيْ: مَطْلُوبِي ثَوْبِي (يَا حَجْرُ وَالتِّكْرَارُ لِلتَّكْثِيرِ (حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِمُ الْمُؤْذِينَ (فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: عُرْيَانًا حَالٌ. وَكَذَا قَوْلُهُ: " أَحْسَنَ " لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ بِمَعْنَى النَّظَرِ. (وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ) ، أَيْ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ مَا. (وَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَطَفِقَ) أَيْ: شَرَعَ (بِالْحَجَرِ ضَرْبًا أَيْ: بِضَرْبِهِ ضَرْبًا، فَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ. كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: ٣٣] (فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي الْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ) : النَّدَبُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ أَيْ: أَثَرًا وَعَلَامَةً بَاقِيَةً مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، وَأَصْلُ النَّدَبِ أَثَرُ الْجُرْحِ، إِذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنِ الْجِلْدِ، فَشُبِّهَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ بِالْحَجَرِ وَقَوْلُهُ: (ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا) . مُتَعَلِّقٌ بِالضَّرْبِ أَوِ النَّدَبِ وَالشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ: ثَلَاثًا أَيْ نَدَبَاتٍ. ثَلَاثًا بَيَانًا وَتَفْسِيرًا لِاسْمِ إِنَّ، وَضَرْبُهُ هَذَا مِنْ أَثَرِ غَضَبِهِ عَلَى الْحَجَرِ لِأَجْلِ فِرَارِهِ، وَقِلَّةِ أَدَبِهِ، وَلَعَلَّهُ ذُهِلَ عَنْ كَوْنِهِ مَأْمُورًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا، وَفِيهِ مَأْخَذُ الْعُلَمَاءِ الْأَنَامِ عَلَى أَنَّ ضَرَرَ الْخَاصِّ يُتَحَمَّلُ لِنَفْعِ الْعَامِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ، ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ مُوسَى أُمِرَ بِحَمْلِ الْحَجَرِ مَعَهُ إِلَى أَنْ كَانَ فِي التِّيَهِ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا.
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِ مُعْجِزَتَانِ ظَاهِرَتَانِ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. إِحْدَاهُمَا مَشْيُ الْحَجْرِ بِثَوْبِهِ، وَالثَّانِيَةُ حُصُولُ النَّدَبِ فِي الْحَجَرِ بِضَرْبِهِ، وَفِيهِ حُصُولُ التَّمْيِيزِ فِي الْجَمَادِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْغُسْلِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ، وَإِنْ كَانَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ أَفْضَلُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَخَالَفَهُمُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ: إِنَّ لِلْمَاءِ سَاكِنًا. قُلْتُ: إِمَامُنَا الْأَعْظَمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ الْجُمْهُورِ، وَظَاهِرُ مُخَالَفَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي دُخُولِ الْمَاءِ. قَالَ: وَفِيهِ ابْتِلَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ أَذَى السُّفَهَاءِ وَالجُّهَالَةِ وَصَبْرُهُمْ عَلَيْهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُنَزَّهُونَ عَنِ النَّقَائِصِ فِي الْخَلْقِ، وَالْخُلُقِ سَالِمُونَ مِنَ الْعَاهَاتِ وَالْمَعَايِبِ، اللَّهُمَّ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِابْتِلَاءِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute