وَثَالِثُهَا: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ رُؤْيَةَ مَنَامٍ فِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ كَمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّةِ عِيسَى. قُلْتُ: وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ وَصِدْقٌ. قَالَ: وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ حَالَهُمُ الَّتِي كَانَ فِي حَيَاتِهِمْ، وَمُثِّلُوا لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ، كَيْفَ كَانُوا وَكَيْفَ حِجُّهُمْ وَتَلْبِيَتُهُمْ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى ". قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ هَذَا اسْتِحْضَارُ تِلْكَ الْحَالَةِ الْمَاضِيَةِ عِنْدَ الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى غَايَةِ تَحَقُّقِهَا وَنِهَايَةِ صِدْقِهَا. قَالَ: وَخَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ عَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُمْ رُؤْيَةَ عَيْنٍ. قُلْتُ: يَرُدُّهُ قَوْلُهُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا.
قَالَ: وَهَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ عِنْدَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا الِاسْتِنْبَاطُ وَالِاسْتِحْبَابُ يَجْنِي عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوْ غَيْرِهِمْ: إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا. قُلْتُ: هَذَا الِاسْتِنْبَاطُ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ قِيلَ: بِاسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْأُصْبُعَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ وَقْتَ التَّلْبِيَةِ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا، وَأَمَّا وَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ حَالَ الْأَذَانِ، فَلَهُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ ذُكِرَ فِي بَابِهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute