٥٧٢٤ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ: " يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ". وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ " وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: " الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ". فِي (بَابِ الْمُفَاخَرَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ) .
الْفَصْلُ الثَّانِي
ــ
٥٧٢٤ - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " كَمُلَ ") : بِضَمِّ الْمِيمِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، فَفِي الْقَامُوسِ: كَمُلَ كَنَصَرَ وَكَرُمَ وَعَلِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ فِي كَمُلَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ، لَكِنَّ كَسْرَ الْمِيمِ ضَعِيفٌ، أَقُولُ: الصَّحِيحُ الضَّمُّ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَعْنَى اللَّازِمِيِّ، أَيْ: صَارَ كَامِلًا، أَوْ بَلَغَ مَبْلَغَ الْكَمَالِ (مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ) ، أَيْ: كَثِيرُونَ مِنْ أَفْرَادِ هَذَا الْجِنْسِ حَتَّى صَارُوا رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ وَخُلَفَاءَ وَعُلَمَاءَ وَأَوْلِيَاءَ، (وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) ، وَالتَّقْدِيرُ. إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُنَّ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْقَلِيلُ مَحْصُورًا فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ نَصَّ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْكُمَّلِ مِنَ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ تِعْدَادُهُ وَاسْتِقْصَاؤُهُمْ بِطَرِيقِ الِانْحِصَارِ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِالْكُمَّلِ الْأَنْبِيَاءُ أَوِ الْأَوْلِيَاءُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتَدَلَّ هَذَا الْحَصْرُ عَلَى أَنَّهُمَا نَبِيَّانِ لِأَنَّ أَكْمَلَ الْإِنْسَانِ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَوْلِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءُ؟ فَلَوْ كَانَتَا غَيْرَ نَبِيَّتَيْنِ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي النِّسَاءِ وَلِيَّةٌ وَلَا صِدِّيقَةٌ وَلَا شَهِيدَةٌ غَيْرُهُمَا. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَا يَلْزَمُ مِنْ لَفْظِ الْكَمَالِ ثُبُوتُ نُبُوَّتِهِمَا، لِأَنَّهُ يُطْلَقُ لِتَمَامِ الشَّيْءِ وَتَنَاهِيهِ فِي بَابِهِ، فَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِمَا إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ الَّتِي لِلنِّسَاءِ.
قُلْتُ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَقَالَ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْإِشْكَالُ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَمَالِ الْمَرْأَةِ كَمَلِيَّتُهَا حَتَّى تَلْزَمَ النُّبُوَّةُ، بَلْ يَكْفِي لِحُصُولِ الْكَمَالِ وُصُولُهَا لِلْوِلَايَةِ، فَفَائِدَةُ ذِكْرِهِمَا لِطَرِيقِ الْحَصْرِ اخْتِصَاصُهُمَا بِكَمَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُمَا فِيهِ أَحَدٌ مِنْ نِسَاءِ زَمَانِهِمْ، أَوْ مِنْ نِسَاءِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَوْ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ، وَذَلِكَ لِمَا نَقَلَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ نُبُوَّةِ النِّسَاءِ، وَلِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} [يوسف: ١٠٩] لَكِنْ نُقِلَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ نُبُوَّةُ حَوَّاءَ وَسَارَةَ وَأُمِّ مُوسَى وَهَاجَرَ وَآسِيَةَ وَمَرْيَمَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ: فِي الْجَوَابِ عَنِ الْإِيرَادِ السَّابِقِ. قُلْنَا: الْكَمَالُ فِي شَيْءٍ يَكُونُ حُصُولُهُ لِلْكَمَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَالنُّبُوَّةُ لَيْسَتْ أَوْلَى بِالنِّسَاءِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الظُّهُورِ وَالدَّعْوَةِ، وَحَالُهُنَّ الِاسْتِتَارُ، فَلَا تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِي حَقِّهِنَّ كَمَالًا، بَلِ الْكَمَالُ فِي حَقِّهِنَّ الصِّدِيقِيَّةُ، وَهِي قَرِيبَةٌ مِنَ النُّبُوَّةِ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute