للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(كِتَابِ الْفَضَائِلِ)

(١) بَابُ فَضَائِلِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٧٣٩ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

[١] بَابُ فَضَائِلِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ

اعْلَمْ أَنَّ تَفْصِيلَ فَضَائِلِهِ، وَتَحْصِيلَ شَمَائِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَفٌ وَكَرَمٌ مِمَّا لَا يُحَدُّ وَلَا يُحْصَى، بَلْ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ وَيُسْتَقْصَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْبَابَ شَمْلَةً مِنْ شَمَائِلِهِ، وَلِمَّةً مِنْ فَضَائِلِهِ تَدُلُّ عَلَى بَقِيَّةِ خَصَائِلِهِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٧٣٩ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ) أَيْ:؟ وُلِدْتُ (مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ) : اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْاصْطِفَائِيَّةِ فِي الَّذِي يَلِيهِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي حَقِّ الْقَبَائِلِ، لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الدِّيَانَةِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ الْخَصَائِلِ الْحَمِيدَةِ وَالشَّمَائِلِ السَّعِيدَةِ. (قَرْنًا فَقَرْنًا) : قِيلَ إِنَّهُ حَالٌ لِلتَّفْضِيلِ، وَالْفَاءُ فِيهِ لِلرَّتِيبِ فِي الْفَضْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّرَقِّي مِنَ الْقَرْنِ السَّابِقِ إِلَى الْقَرْنِ اللَّاحِقِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (حَتَّى كُنْتُ) أَيْ: صِرْتُ: (مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ مِنْهُ) أَيْ: وُجِدْتُ، وَالْقَرْنُ مِنَ النَّاسِ أَهْلُ زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْقَرْنُ كُلُّ طَبَقَةٍ مُقْتَرِنِينَ فِي وَقْتٍ، قِيلَ: سُمِّيَ قَرْنًا لِأَنَّهُ يَقْرِنُ أُمَّةً بِأُمَّةٍ، وَعَالَمًا بِعَالَمٍ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَنْتُ أَيْ: وَصَلْتُ وَجُعِلَ اسْمًا لِلْوَقْتِ أَوْ لِأَهْلِهِ. وَقِيلَ: الْقَرْنُ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ مِائَةٌ اه. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، فَالْمَعْنَى بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ طَبَقَاتِ بَنِي آدَمَ كَائِنِينَ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَفِيهِ تَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَعَلَى تَفْضِيلِ أُمَّتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ. قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: حَتَّى كُنْتُ غَايَةَ قَوْلِهِ بُعِثْتُ، وَالْمُرَادُ بِالْبَعْثِ تَقَلُّبُهُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ أَبًا فَأَبًا قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى ظَهَرَ فِي الْقَرْنِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ، يَعْنِي انْتَقَلْتُ أَوَّلًا مَنْ صُلْبِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ مِنْ كِنَانَةَ، ثُمَّ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: " قَرْنًا " لِلتَّرْتِيبِ عَلَى سَبِيلِ التَّرَقِّي مِنَ الْآبَاءِ الْأَبْعَدِ إِلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، كَمَا فِي قَوْلِكَ: خُذِ الْأَفْضَلَ فَالْأَكْمَلَ وَاعْمَلِ الْأَحْسَنَ وَالْأَجْمَلَ، وَفِي مَعْنَاهُ) أَنْشَدَ ابْنُ الرُّومِيِّ:

كَمْ مِنْ أَبٍ قَدْ عَلَا بِابْنٍ ذُرَى شَرَفٍ ... كَمَا عَلَا بِرَسُولِ اللَّهِ عَدْنَانُ

وَفِي قَوْلِنَا: حَتَّى ظَهَرَ فِي الْقَرْنِ الَّذِي وُجِدَ فِي نُسْخَتِهِ، لِمَا رَوَى الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَخْلُقَ مُحَمَّدًا أَمَرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَتَاهُ بِالْقَبْضَةِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعُجِنَتْ بِمَاءِ التَّسْنِيمِ فَغُمِسَتْ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَطَيَّفَهَا فِي السَّمَاوَاتِ، فَعَرَفَتِ الْمَلَائِكَةُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُعْرَفَ آدَمُ، ثُمَّ كَانَ نُورُ مُحَمَّدٍ يُرَى فِي غُرَّةِ جَبْهَةِ آدَمَ، وَقِيلَ لَهُ: يَا آدَمُ هَذَا سَيِّدُ وَلَدِكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَلَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ بِشِيثَ انْتَقَلَ النُّورُ مِنْ آدَمَ إِلَى حَوَّاءَ، وَكَانَتْ تَلِدُ فِي كُلِّ بَطْنٍ وَلَدَيْنِ إِلَّا شَيْثًا، فَإِنَّهُ وَلَدَتْهُ وَحْدَهُ كَرَامَةً لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْتَقِلُ مِنْ طَاهِرٍ إِلَى طَاهِرٍ إِلَى أَنْ وَلَدَتْهُ آمِنَةُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اه.

وَقَدْ ذُكِرَ مُجْمَلًا مِنْ أَحْوَالِ وِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتُهَا، بِ (الْمَوْرِدِ فِي الْمَوْلِدِ) . (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>