للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٧٤٦ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٥٧٤٦ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ) : زِيدَ مِنَ الثَّانِيَةِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْأُولَى لِلتَّبْعِيضِ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ (إِلَّا قَدْ) : وَفِي الْجَامِعِ: إِلَّا وَقَدْ (أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ) أَيِ: الْمُعْجِزَاتِ وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَمِنْ: بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ: (مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ) : وَهِيَ مَوْصُولَةٌ. وَمِثْلُهُ: مُبْتَدَأٌ. وَآمَنَ: خَبَرُهُ، وَعَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِآمَنَ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الِاطِّلَاعِ، كَأَنَّهُ قَالَ: آمَنَ لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، أَوْ بِحَالٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: آمَنَ الْبَشَرُ وَاقِفًا أَوْ مُطَّلِعًا عَلَيْهِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا إِذَا شُوهِدَ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ دَعَا الشَّاهِدَ إِلَى تَصْدِيقِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ زَمَانُهُ انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتُ، هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ، مِنْ: فِيهِ بَيَانِيَّةٌ، وَمِنْ: الثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ تُزَادُ بَعْدَ النَّفْيِ وَمَا: فِي (مَا مِثْلُهُ) مَوْصُولَةٌ وَقَعَتْ مَفْعُولًا ثَانِيًا لَأَعْطَى، وَمِثْلُهُ مُبْتَدَأٌ. وَآمَنَ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةَ صِلَةُ الْمَوْصُولِ، وَالرَّاجِعُ إِلَى الْمَوْصُولِ ضَمِيرُ الْمَجْرُورِ فِي عَلَيْهِ، وَهُوَ حَالٌ أَيْ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ فِي التَّحَدِّي وَالْمُبَارَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتُ، وَمُوقِعُ الْمِثْلِ هُنَا مَوْقِعُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] أَيْ: مِمَّا هُوَ عَلَى صِفَتِهِ فِي الْبَيَانِ الْغَرِيبِ وَعُلُوِّ الطَّبَقَةِ فِي حُسْنِ النَّظْمِ، يَعْنِي لَيْسَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا قَدْ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ الشَّيْءَ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ إِذَا شُوهِدَ اضْطُرَّ الشَّاهِدُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ اخْتُصَّ بِمَا يُثْبِتُ دَعْوَاهُ مِنْ خَارِقِ الْعَادَاتِ بِحَسْبِ زَمَانِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ زَمَانُهُ انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْمُعْجِزَةُ، كَقَلْبِ الْعَصَا ثُعْبَانًا فِي زَمَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِخْرَاجِ الْيَدِ الْبَيْضَاءِ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي زَمَنِهِ لِلسِّحْرِ، فَأَتَاهُمْ بِمَا هُوَ فَوْقَ السِّحْرِ، وَاضْطَرَّهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ. وَفِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الطِّبُّ، فَأَتَاهُمْ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنَ الطِّبِّ، وَهُوَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَفِي زَمَنِ رَسُولِنَا الْبَلَاغَةُ وَالْفَصَاحَةُ، فَجَاءَ الْقُرْآنُ وَأَبْطَلَ الْكُلَّ اه.

وَفِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ: أَبْطَلَ الْكُلَّ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: فَجَاءَ الْقُرْآنُ مُعْجِزَةً مُشْتَهِرَةً دَائِمَةً إِلَى انْقِرَاضِ الزَّمَانِ، بَلْ أَبَدَ الْآبَادِ، لِمَا يُتْلَى فِي دَرَجَاتِ الْجِنَانِ، بَلْ يُسْمَعُ مِنْ كَلَامِ الرَّحْمَنِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ) : وَفِي الْجَامِعِ: أُوتِيتُهُ وَالْمَوْصُولُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: كَانَ خَرْقُ الْعَادَةِ الَّذِي أُعْطِيتُهُ بِالْخُصُوصِ (وَحْيًا) أَيْ: كَلَامًا مُنَزَّلًا عَلَيَّ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ) أَيْ: لَا غَيْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْوَحْيِ هُنَا الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ نَفْسُهُ دَعْوَةٌ، وَفِي نَظْمِهِ مُعْجِزَةٌ، وَهُوَ لَا يَنْقَرِضُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَنْقَرِضُ مُعْجِزَاتُ غَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَيْ: مُعْظَمُ الَّذِي أُوتِيتُ وَأَفْيَدُهُ إِذْ كَانَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مُعْجِزَاتٌ مِنْ جِنْسِ مَا أُوتِيتُهُ غَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَحْيِ الْقُرْآنُ الْبَالِغُ أَقْصَى غَايَةِ الْإِعْجَازِ فِي النَّظْمِ وَالْمَعْنَى، وَهُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَأَعَمُّ مَنْفَعَةً مِنْ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ، فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الدَّعَوَاتِ وَالْحُجَّةِ، وَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَالْأَعْصَارِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْحَاضِرُونَ عِنْدَ الْوَحْيِ، الْمُشَاهِدُونَ لَهُ، وَالْغَائِبُونَ عَنْهُ، وَالْمَوْجُودُونَ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى السَّوَاءِ، وَلِذَلِكَ رُتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>