للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شَهْرٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ قُدَّامٍ أَوْ وَرَاءٍ، وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ الرُّعْبُ الْفَزَعُ وَالْخَوْفُ، وَقَدْ أَوْقَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ أَعْدَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَوْفَ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةَ شَهْرٍ هَابُوا وَفَزِعُوا مِنْهُ (وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَرَادَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَمْ تُبَحْ لَهُمُ الصَّلَاةُ إِلَّا فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، وَأَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الصَّلَاةَ حَيْثُ كَانُوا تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ وَتَيْسِيرًا، ثُمَّ خَصَّ مِنْ جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ: الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالْمَكَانَ النَّجِسَ، وَقَوْلُهُ طَهُورًا أَرَادَ بِهِ التَّيَمُّمَ اه. وَفِي الْحَمَّامِ وَالْمَقْبَرَةِ تَفْصِيلٌ قَدَّمْنَاهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَخُصِصْنَا بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنَا نَجَاسَتَهُ، ثُمَّ صَرَّحَ بِعُمُومِ هَذَا الْحُكْمِ وَفَرَّعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ: (فَأَيُّمَا رَجُلٍ) أَيْ: شَخْصٍ (مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ) أَيْ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَدَخَلَ وَقْتُهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ (فَلْيُصَلِّ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِشُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ (وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ) أَيِ: الْغَنَائِمُ وَهِيَ الْأَمْوَالُ الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الْكُفَّارِ (وَلَمْ تَحِلَّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: لَمْ تُبَحِ الْغَنَائِمُ (لِأَحَدٍ قَبْلِي) أَيْ: مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ غَنَائِمُهُمْ تُوضَعُ فَتَأْتِي نَارٌ تَحْرِقُهَا، هَكَذَا أَطْلَقَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ - مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: مِنْ قَبْلِنَا مِنَ الْأُمَمِ إِذَا غَنِمُوا الْحَيَوَانَاتِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ، فَخُصَّ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِ الْخُمُسِ وَالصَّفِيُّ، وَإِذَا غَنِمُوا الْحَيَوَانَاتِ غَيْرَهَا جَمَعُوهُ فَتَأْتِي نَارٌ فَتَحْرِقُهُ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي إِحْرَاقِ الْغَنِيمَةِ تَحْصِيلُ تَحْسِينِ النِّيَّةِ وَتَزْيِينُ الطَّوِيَّةِ فِي مَرْتَبَةِ الْإِخْلَاصِ فِي الْجِهَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْعِبَادِ وَرَءُوفٌ بِالْعِبَادِ. (وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ) : الْ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَيِ: الشَّفَاعَةَ الْعَامَّةَ لِلْإِرَاحَةِ مِنَ الْمَحْشَرِ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَغْبِطُهُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ (وَكَانَ النَّبِيُّ) أَيِ: اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ: وَكَانَ كُلُّ نَبِيٍّ مِنْ قَبْلِي (يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ) أَيْ: إِلَى أَقْوَامٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهُمْ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِقَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ (عَامَّةً) أَيْ: شَامِلَةً لِلْعَرَبِ وَالْعَجَمِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّعْرِيفُ فِي النَّبِيِّ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ لَوْ جُمِعَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ مِنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ، لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ فِي الْمُفْرَدِ قَائِمَةٌ فِي وِجْدَانِهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَفِي الْجَامِعِ فِيمَا فِيهِ الْجِنْسِيَّةُ مِنَ الْمَجْمُوعِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ اه. وَقِيلَ: اللَّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَلِلْعَهْدِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ لِبَيَانِ الْمَاهِيَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذَّهَبِيِّ لَا لِتَعْيِينِ الذَّاتِ وَتِلْكَ الْمَاهِيَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأَعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ» ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ لِيَ التُّرَابُ طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ. وَرَوَى الْحَارِثُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ، وَلَفْظُهُ: «أُعْطِيتُ ثَلَاثَ خِصَالٍ: أُعْطِيتُ صَلَاةً فِي الصُّفُوفِ، وَأُعْطِيتُ السَّلَامَ وَهُوَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأُعْطِيتُ آمِينَ وَلَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَعْطَاهَا هَارُونَ فَإِنَّ مُوسَى كَانَ يَدْعُو وَيُؤَمِّنُ هَارُونُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>