للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَابٌ فِي أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٨٠١ - «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

بَابٌ فِي أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فِي النِّهَايَةِ: الْخُلُقُ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهَا الدِّينُ وَالطَّبْعُ وَالسَّجِيَّةُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لِصُورَةِ الْإِنْسَانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نَفْسُهُ وَأَوْصَافُهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَفْقِ كَصُورَتِهَا الظَّاهِرَةِ وَأَوْصَافِهَا وَمَعَانِيهَا، وَلَهُمَا أَوْصَافٌ حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَالشَّمَائِلُ جَمْعُ شِمَالٍ وَهُوَ الْخُلُقُ انْتَهَى. وَالشِّمَالُ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الطَّبْعِ لَا بِمَعْنَى الْيَسَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} [النحل: ٤٨] وَلَا بِالْفَتْحِ وَالْهَمْزِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الرِّيحِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْبَابِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٥٨٠١ - ( «عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ» ) ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: تِسْعَ سِنِينَ (فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ) : بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَنْوِينِ الْمَكْسُورَةِ، وَهِيَ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ مُتَوَاتِرَاتٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ: أُفِّ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا بِلَا تَنْوِينٍ، وَبِالتَّنْوِينِ ثَلَاثَةٌ أُخَرُ. وَأُفْ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَإِفَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَأُفِّي، وَأُفَّهْ بِضَمِّ هَمْزَتِهِمَا. قَالَ شَارِحٌ: وَهِيَ كَلِمَةُ تَبَرُّمٍ أَيْ مَا قَالَ لِي مَا فِيهِ تَبَرُّمٌ وَمَلَالٌ. (وَلَا لِمَ صَنَعْتَ) أَيْ لِأَيِّ شَيْءٍ صَنَعْتَ هَذَا بِالْفِعْلِ (وَلَا أَلَّا) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ هَلَّا (صَنَعْتَ) ، أَيْ لِمَ لَا فَعَلْتَ هَذَا الْأَمْرَ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَقُلْ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ، وَكُنْتُ مَأْمُورًا بِهِ لِمَ لَا صَنَعْتَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ أُفٍّ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَتَضَجَّرُ وَأَكْرَهُ، وَحَرْفُ التَّحْضِيضِ فِي الْمَاضِي أَفَادَ التَّنْدِيمَ كَمَا فِي الْمُضَارِعِ يُفِيدُ التَّحْرِيضَ، وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ اعْتِرَاضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا خَالَفَ أَمْرَهُ إِنَّمَا يُفْرَضُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِدْمَةِ وَالْآدَابِ، لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ فِيهِ، وَفِيهِ أَيْضًا مَدْحُ أَنَسٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ أَمْرًا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتِرَاضٌ مَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَزَادَ: (قَطُّ) بَعْدَ قَوْلِهِ: (أُفٍّ) ثُمَّ قَالَ: «وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ» ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>