وَقَالَ ابْنُ الرَّبِيعِ فِي كِتَابِهِ: (تَمْيِيزِ الطَّيِّبِ مِنَ الْخَبِيثِ) : أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ، وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَلَوْ عَاشَ أُعْتِقَتْ أَخْوَالُهُ مِنَ الْقِبْطِ، وَمَا اسْتَرَقَّ قِبْطِيٌّ» . وَفِي سَنَدِهِ أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ حَدِيثُ لَوْ عَاشَ إِبْرَاهِيمُ لَكَانَ نَبِيًّا فَبَاطِلٌ، وَجَسَارَةٌ عَلَى الْكَلَامِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَمُجَازَفَةٌ وَهُجُومٌ عَلَى عَظِيمٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَمْهِيدِهِ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا، فَقَدْ وَلَدَ نُوحٌ غَيْرَ نَبِيٍّ، وَلَوْ لَمْ يَلِدْ إِلَّا نَبِيًّا لَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ نَبِيًّا لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ نُوحٍ انْتَهَى. وَهُوَ تَعْلِيلٌ عَلِيلٌ إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ النَّبِيِّ نَبِيٌّ بِطَرِيقِ الْكُلِّيَّةِ، وَلَا ضَرَرَ فِي تَخْصِيصِ التَّقْدِيرِ وَالْفَوْضِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الْمُقَدَّمِ فِي الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ، فَلَا يُنَافِيِ كَوْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، فَيَقْرُبُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» " وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَبِمَا لَا يَكُونُ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ. هَذَا وَقَدْ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الرَّبَّانِيُّ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي الْإِصَابَةِ: وَهَذَا عَجِيبٌ مِنَ النَّوَوِيِّ، مَعَ وُرُودِهِ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابِيِّ أَنْ يَهْجُمَ عَلَى مِثْلِ هَذَا بِظَنِّهِ. قُلْتُ: مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوهُ مَوْقُوفًا، بَلْ أَسْنَدُوهُ مَرْفُوعًا، كَمَا بَيَّنَهُ خَاتِمَةُ الْحُفَّاظِ السُّيُوطِيُّ بِأَسَانِيدِهِ فِي رِسَالَةٍ عَلَى حِدَةٍ، مَعَ أَنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَوْقُوفَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَأْيٍ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، فَإِنْكَارُ النَّوَوِيِّ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لِذَلِكَ، إِمَّا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمَا أَوْ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّأْوِيلِ عِنْدَهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute