للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٨٣٣ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ الذِّكْرَ وَيُقِلُّ اللَّغْوَ وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ وَيُقْصِرُ الْخُطْبَةَ وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

٥٨٣٣ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ الذِّكْرَ» ) ، أَيْ: ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِمَا فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَائِشَةَ: مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ (وَيُقِلُّ اللَّغْوَ) أَيْ: غَيْرَ الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ مِنْ ذِكْرِ الدُّنْيَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، فَإِنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَا يَخْلُو عَنْ مَصْلَحَةٍ وَحِكْمَةٍ، لَكِنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الذِّكْرِ الْحَقِيقِيِّ لَغْوٌ، وَلِذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: ضَيَّعْتُ قِطْعَةً مِنَ الْعُمْرِ الْعَزِيزِ فِي تَأْلِيفِ: (الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ) فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اللَّغْوَ نَظَرًا إِلَى الصُّورَةِ وَالْمَبْنَى، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْمَعْنَى، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، وَإِلَّا فَقَدَ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ كُمَّلِ الْمُؤْمِنِينَ {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: ٣] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: ٥٥] وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَلْغُو أَصْلًا فَإِنَّ الْقِلَّةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي النَّفْيِ مُطْلَقًا نَحْوَ: {قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: ٤١] فَيَأْبَاهُ حُسْنُ الْمُقَابَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَيُكْثِرُ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّغْوِ الدُّعَابَةُ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ قَلِيلًا فَمَرْدُودٌ، إِذْ عَدُّ مِزَاحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ اللَّغْوِ هُوَ اللَّغْوُ، فَإِنَّهُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا. قَالَ: " إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا» " فَلِلَّهِ دَرُّ مُزَاحٍ هُوَ الْحَقُّ، فَكَيْفَ بِجِدِّهِ الَّذِي هُوَ الصِّدْقُ الْمُطْلَقُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الْمُزَاحَ بِشَرْطِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، فَكَيْفَ يُعَدُّ مِنَ اللَّغْوِيَّاتِ؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَمْرِ النِّسْبِيِّ وَاللُّغَوِيِّ الْإِضَافِيِّ. (وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ) ، أَيْ: خُصُوصًا فِي الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ: (وَيُقْصِرُ الْخُطْبَةَ) ، مِنَ التَّقْصِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنَ الْقَصْرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الصَّلَاةَ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ وَمَحَلُّ مُنَاجَاةِ الْمُهَيْمِنِ، فَيُنَاسِبُهَا الْإِطَالَةُ بِلَا مَلَالَةٍ، وَالْخُطْبَةُ مَحَلُّ التَّوَجُّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>