٥٨٣٨ - وَعَنْهُ، قَالَ «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَيَرَى الضَّوْءَ سَبْعَ سِنِينَ وَلَا يَرَى شَيْئًا وَثَمَانِ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٨٣٨ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَالَ: «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً» ) أَيْ: بِإِدْخَالِ سِنِيِّ الْوِلَادَةِ وَالْهِجْرَةِ (يَسْمَعُ الصَّوْتَ) أَيْ: صَوْتَ جِبْرِيلَ (وَيَرَى الضَّوْءَ) أَيِ: النُّورَ فِي اللَّيَالِي الْمُظْلِمَةِ ضِيَاءً عَظِيمًا (سَبْعَ سِنِينَ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرَى مِنْ أَمَارَاتِ النُّبُوَّةِ سَبْعَ سِنِينَ ضِيَاءً مُجَرَّدًا، وَمَا رَأَى مَعَهُ مَلَكًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَلَا يَرَى شَيْئًا) ، أَيْ: سِوَى الضَّوْءِ قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي رُؤْيَةِ الضَّوْءِ الْمُجَرَّدِ دُونَ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ حُصُولُ اسْتِئْنَاسِهِ أَوَّلًا بِالصَّوْتِ الْمُجَرَّدِ، وَذَهَابُ رَوْعِهِ إِذْ فِي رُؤْيَةِ الْمَلَكِ مَظِنَّةُ ذُهُولٍ وَذَهَابُ عَقْلٍ لِغَلَبَةِ دَهْشَتِهِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ خَطِيرٌ اهـ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي قَوْلِهِ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْمَلَكَ لَا يُفَارِقُهُ ضَوْءُ الْمَلَكِيَّةِ وَنُورُ الرُّبُوبِيَّةِ، فَلَوْ رَآهُ ابْتِدَاءً فَلَرُبَّمَا لَمْ تُطِقْهُ الْقُوَّةُ الْبَشَرِيَّةُ، وَعَسَى أَنْ يَحْدُثَ مِنْ ذَلِكَ غَشْيٌ، فَاسْتُؤْنِسَ أَوَّلًا بِالضَّوْءِ ثُمَّ غَشِيَهُ الْمَلِكُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالضَّوْءِ انْشِرَاحُ صَدْرِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ، فَسُمِّيَ الِانْشِرَاحُ ضَوْءًا، وَلَا يُكْمَلُ انْشِرَاحُ صَدْرِهِ إِلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَى أَرْبَعِينَ لِيَسْتَعِدَّ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ. (وَثَمَانِ سِنِينَ يُوحَى إِلَيْهِ) ، أَيْ: فِي مَكَّةَ (وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ) . سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قَالَ مِيرَكُ، قَوْلُهُ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ فِي مَوْقِعِهِ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخْرِجْهُ. بَلْ هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَقَطْ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَمَنْشَأُ تَوَهُّمِ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ صَنِيعُ ابْنِ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اغْتَرَّ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إِلَى الْمَأْخَذِ، فَلِذَا وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute