٥٨٥٥ - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اشْهَدُوا) » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٨٥٥ - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ: فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِرْقَتَيْنِ) أَيْ: قِطْعَتَيْنِ مُتَفَارِقَتَيْنِ (فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ) أَيْ: جَبَلِ حِرَاءٍ (وَفِرْقَةً دُونَهُ) ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا تَبَايَنَتَا، فَإِحْدَاهُمَا إِلَى جِهَةِ الْعُلُوِّ، وَالْأُخْرَى إِلَى السُّفْلِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اشْهَدُوا) . أَيْ: عَلَى نُبُوَّتِي أَوْ مُعْجِزَتِي مِنَ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ احْضُرُوا وَانْظُرُوا مِنَ الشُّهُودِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ الزَّجَّاجُ: زَعَمَ قَوْمٌ عَدَلُوا عَنِ الْقَصْدِ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ الْقَمَرَ يَنْشَقُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْأَمْرُ بَيِّنٌ فِي اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: ٢] فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ وَقَوْلُهُ: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ أَيْ: مُطَّرِدٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا قَبْلَهُ آيَاتٍ أُخَرَ مُتَرَادِفَةً وَمُعْجِزَاتٍ سَابِقَةً، وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: إِنَّمَا ذَهَبَ الْمُنْكِرُ إِلَى مَا ذَهَبَ، لِأَنَّ الِانْشِقَاقَ أَمْرٌ هَائِلٌ، وَلَوْ وَقَعَ لَعَمَّ وَجْهَ الْأَرْضِ، وَبَلَغَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُوَافِقَ قَدْ نَقَلَهُ وَبَلَغَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ. وَأَمَّا الْمُخَالِفُ فَرُبَّمَا ذَهَلَ أَوْ حَسِبَ نَحْوَ الْخُسُوفِ، وَالْقُرْآنُ أَوْلَى دَلِيلٍ وَأَقْوَى شَاهِدٍ، وَإِمْكَانُهُ لَا شَكَّ فِيهِ أَيْ عَقْلًا، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ الصَّادِقُ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ وُقُوعِهِ، وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ، فَحَدِيثُ اللِّئَامِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالُوا: إِنَّمَا هَذَا الِانْشِقَاقُ حَصَلَ فِي اللَّيْلِ، وَمُعْظَمُ النَّاسِ نِيَامٌ غَافِلُونَ، وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ وَهُمْ مُتَغَطُّونَ بِثِيَابِهِمْ، وَقَلَّ مَنْ يَتَفَكَّرُ فِي السَّمَاءِ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا.
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا شَيْءٌ طَلَبَهُ قَوْمٌ خَاصٌّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَنَسٌ، فَأَرَاهُمْ ذَلِكَ لَيْلًا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ وَمُسْتَكِنُّونَ بِالْأَبْنِيَةِ فِي الْبَرَارِي وَالصَّحْرَاءِ وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنْ يَكُونُوا مَشَاغِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ يَكْسِفُ الْقَمَرُ فَلَا يَشْعُرُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. أَيْ: مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ، وَإِنَّمَا كَانَ قَدْرَ اللَّحْظَةِ الَّتِي هِيَ مُدْرَكُ الْبَصَرِ وَلَوْ دَامَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، حَتَّى يَشْتَرِكَ فِيهَا الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَاسْتَوْجَبُوا الْهَلَاكَ، فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا أَنَّ نَبِيَّهُمْ كَانَ إِذَا أَتَى بِآيَةٍ عَامَّةٍ يُدْرِكُهَا الْحِسُّ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا أُهْلِكُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ١١٥] فَلَمْ يُظْهِرِ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ الْعَامَّةَ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قُلْتُ: وَفِي نَفْسِ الْقَضِيَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ شِقٌّ مِنْهُ فَوْقَ الْجَبَلِ، وَأُخْرَى دُونَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُحْجَبُ بَعْضُ النَّاسِ مِمَّنْ يَسْكُنُ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ، فَكَيْفَ بِسَائِرِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَقِيَّةِ النَّاسِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، عَلَى أَنَّ إِرَاءَةَ الْمُعْجِزَةِ لِقَوْمٍ عَلَى مَا اقْتَرَحُوا، كَنَاقَةِ صَالِحٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا لِغَيْرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute