وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْتِ هُوَ الدَّارُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ وَيَكُونُ فِيهِ مُعْجِزَةٌ أُخْرَى حَيْثُ وَسِعَ خَلْقًا كَثِيرًا (قِيلَ لِأَنَسٍ: عَدَدُكُمْ كَمْ كَانُوا) ؟ جَمَعَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إِلَى مَعْنَى الْعَدَدِ لِزِيَادَةٍ عَلَى الْوَاحِدِ (قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ) : بِنَصْبِ زُهَاءَ عَلَى تَقْدِيرِ كَانُوا. وَقِيلَ: بِرَفْعِهِ أَيْ: عَدَدُنَا مِقْدَارُ ثَلَاثِمِائَةٍ (فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ يَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ) ، أَيْ: مِنَ الذِّكْرِ وَالدَّعْوَةِ (ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً) ، أَيْ: عَشَرَةً بَعْدَ عَشَرَةٍ لِمَا سَبَقَ (يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَقُولُ لَهُمُ: اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلْيَأْكُلْ) : بِسُكُونِ لَامِ الْأَمْرِ وَيُكْسَرُ أَيْ يَتَنَاوَلُ (كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ) ، أَيْ: مِمَّا يُقَرِّبُهُ مِنَ الْوِعَاءِ. (قَالَ) ، أَيْ: أَنَسٌ (فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ) ، أَيْ: وَشَبِعُوا جَمِيعُهُمْ (قَالَ لِي: يَا أَنَسُ ارْفَعْ) ، أَيِ: الْقَدَحَ (فَرَفَعْتُ فَمَا أَدْرِي، حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ) . أَيْ: فِي الصُّورَةِ، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَ الرَّفْعِ كَثُرَ بِبَرَكَةِ وَضْعِ يَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَضْلَةِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هَذَا وَقَدْ قِيلَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَلِيمَةَ لِزَيْنَبَ كَانَتْ مِنَ الْحَيْسِ الَّذِي أَهْدَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقِصَّةِ تَكْثِيرُ ذَلِكَ الطَّعَامِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُضُورُ الْحَيْسِ صَادَفَ حُضُورَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، وَإِنْكَارُ وُقُوعِ تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي قِصَّةِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ عَجِيبٌ، فَإِنَّ أَنَسًا يَقُولُ: أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِشَاةٍ، وَأَنَّهُ أَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ نَحْوُ الْأَلْفِ. قُلْتُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْحَيْسَ وَلِيمَةٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ إِرْسَالُهُ هَدِيَّةً ثُمَّ إِمَّا فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِمَّا فِي يَوْمٍ آخَرَ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِشَاةٍ وَأَشْبَعَ الْأَلْفَ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَضِيَّتَيْنِ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْمُعْجِزَتَيْنِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute