للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِهَانَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: ٣٠] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا بِإِسْلَامِ الْأَنْصَارِ وَمُتَابَعَتِهِمْ خَافُوا وَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ مُتَشَاوِرِينَ فِي أَمْرِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ فَقَالَ: أَنَا مِنْ نَجْدٍ سَمِعْتُ اجْتِمَاعَكُمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَكُمْ، وَلَنْ تَعْدَمُوا مِنِّي رَأْيًا وَنُصْحًا، فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: رَأْيِي أَنْ تَحْبِسُوهُ فِي بَيْتٍ وَتَسُدُّوا مَنَافِذَهُ غَيْرَ كُوَّةٍ تُلْقُونَ إِلَيْهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْهَا حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ الشَّيْخُ: بِئْسَ الرَّأْيُ يَأْتِيكُمْ مَنْ يُقَاتِلُكُمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَيُخَلِّصُهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ. فَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو: رَأْيِي أَنْ تَحْمِلُوهُ عَلَى جَمَلٍ فَتُخْرِجُوهُ مِنْ أَرْضِكُمْ، فَلَا يَضُرُّكُمْ مَا صَنَعَ. فَقَالَ: بِئْسَ الرَّأْيُ يُفْسِدُ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَيُقَاتِلُكُمْ بِهِمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ بَطْنٍ غُلَامًا وَتُعْطُوهُ سَيْفًا فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَيَتَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، فَلَا تَقْوَى بَنُو هَاشِمٍ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهِمْ، فَإِذَا طَلَبُوا الْعَقْلَ عَقَلْنَاهُ، فَقَالَ: صَدَقَ هَذَا الْفَتَى، فَتَفَرَّقُوا عَلَى رَأْيِهِ. (فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ وَأَخْبَرَهُ بِالْخَبَرِ وَأَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ فَبَيَّتَ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - عَلَى مَضْجَعِهِ وَخَرَجَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى الْغَارِ (فَبَاتَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، أَيْ: لِلتَّعْمِيَةِ عَنْهُ فِي التَّخْلِيَةِ إِذْ كَانَ رَأْيُ الْكُفَّارِ تَقَرَّرَ عَلَى أَنَّهُمْ يَحْرُسُونَهُ فِي اللَّيْلِ، ثُمَّ فِي الصُّبْحِ يَقْتُلُونَهُ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: تِلْكَ اللَّيْلَةَ، (وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ) : بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا، أَيْ: يَظُنُّونَ عَلِيًّا (النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا) :. بِمُثَلَّثَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ أَيْ وَثَبُوا (عَلَيْهِ) ، أَيْ عَلَى مَنْ عَلَى الْمَرْقَدِ ظَنًّا أَنَّهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا) ، أَيْ: مَكَانَهُ (رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ) ، أَيْ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠] (فَقَالُوا) أَيْ لِعَلِيٍّ (أَيْنَ) ، أَيْ: ذَهَبَ (صَاحِبُكَ هَذَا) ؟ أَيِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ) ، أَيْ: عَلِيٌّ مِنْ كَمَالِ عَقْلِهِ (لَا أَدْرِي) : وَهُوَ إِمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ تَوْرِيَةٌ (فَاقْتَصُّوا) : بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَتَبَّعُوا (أَثَرَهُ) ، أَيْ آثَارَ قَدَمِهِ (فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ) ، أَيْ: جَبَلَ ثَوْرٍ (اخْتَلَطَ) ، أَيِ: اشْتَبَهَ أَمْرُ الْأَثَرِ (عَلَيْهِمْ فَصَعِدُوا الْجَبَلَ) ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَفِي الْقَامُوسِ: صَعِدَ فِي السُّلَّمِ كَسَمِعَ انْتَهَى، فَصَعِدُوا الْجَبَلَ مِنْ بَابِ دَخَلْتُ الدَّارَ أَيْ: فَطَلَعُوا عَلَيْهِ (فَمَرُّوا بِالْغَارِ) ، أَيْ بِالْكَهْفِ الَّذِي فَوْقَ ذَلِكَ الْجَبَلِ فَظَنُّوا أَنَّهُ فِيهِ (فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ) ، أَيْ: مَنْسُوجَةً (فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ) ، وَقِيلَ: لَمَّا دَخَلَ الْغَارَ بَعَثَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ فَبَاضَتَا فِي أَسْفَلِهِ، وَالْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ طَلَعُوا فَوْقَ الْغَارِ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرُوا إِلَى أَقْدَامِهِمْ لَرَأَوْهُمَا، فَأَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) فَأَعْمَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الْغَارِ، فَجَعَلُوا يَتَرَدَّدُونَ حَوْلَهُ، فَلَمْ يَرَوْهُ، وَلَا مَنْعَ مِنْ جَمْعِ الْجَمْعِ. (فَمَكَثَ) : بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهِ أَيْ: لَبِثَ (فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ) أَيْ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>