للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ) ، أَيْ أَوَّلًا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ) ، بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْيَاءِ أَيْ: مُصَدِّقُونِي فِي الْإِخْبَارِ (عَنْهُ) ، أَيْ ثَانِيًا. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي أَصْلِ الْمَالِكِيِّ: صَادِقُونِي بِالتَّحْقِيقِ. قَالَ: كَذَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ دُخُولُ نُونِ الْوِقَايَةِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ الْمُضَافَةِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ لِتَقِيَهَا عَنْ خَفَاءِ الْإِعْرَابِ، فَلَمَّا مَنَعُوهَا ذَلِكَ صَارَ الْأَصْلُ مَتْرُوكًا فَنَبَّهُوا عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ الْمُعْرَبَةِ الْمُشَابِهَةِ لِلْفِعْلِ، (قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ أَبُوكُمْ) ؟ أَيْ جَدُّكُمْ (قَالُوا: فُلَانٌ) ، أَيْ: بِطَرِيقِ الْكَذِبِ عَلَى وَجْهِ الِامْتِحَانِ (قَالَ: كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ. قَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: أَحْسَنْتَ (قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ) أَيْ: ثُمَّ أَخْبَرَتْكُمْ بِهِ (قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَذَبْنَاكَ) ، أَيْ: فِي قَوْلِنَا هَذَا (عَرَفْتَ كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا) ، أَيْ: زَمَانًا قَلِيلًا، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة: ٨٠] (ثُمَّ تَخْلُفُونَا) : بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَتُخَفَّفُ أَيْ: تَعْقُبُونَنَا (فِيهَا) . وَهَذَا عَلَى زَعْمِهِمُ الْفَاسِدِ، وَاعْتِقَادِهِمُ الْكَاسِدِ أَنَّهُ قَوْلُ صِدْقٍ وَخَبَرُ حَقٍّ. (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اخْسَئُوا فِيهَا) : إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونَ} [المؤمنون: ١٠٨] وَهُوَ الْأَصْلُ زَجْرُ الْكَلْبِ، فَالْمَعْنَى اسْكُتُوا فِي سُكُوتِ هَوَانٍ، فَإِنَّكُمْ كَاذِبُونَ فِي أَخْبَارِكُمْ (وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا) . ثُمَّ قَالَ: (هَلْ أَنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ فِي شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا) ، أَيْ: فِي دَعْوَى رِسَالَتِكَ (أَنْ نَسْتَرِيحَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَمْ يَضُرَّكَ) . بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، وَلَوْ رُوِيَ بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ لَجَازَ، كَمَا قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: ١٢٠] فِي آلِ عِمْرَانَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي قَوْلِهِ: أَنْ نَسْتَرِيحَ مَفْعُولٌ لَأَرَدْنَا وَجَزَاءُ الشَّرْطِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ مَحْذُوفٌ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ أَيْ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَنَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَمْ يَضُرَّكَ، فَنَنْتَفِعُ بِهِدَايَتِكَ، وَحَاصِلُهُ أَرَدْنَا الِامْتِحَانَ، يَعْنِي فَإِمَّا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّكَ كَاذِبٌ فَنَسْتَرِيحَ مِنْكَ، وَإِمَّا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّكَ نَبِيٌّ فَنَتَّبِعَكَ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَبَيَّنَ مِنْ فَحْوَاهُمْ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي دَعْوَاهُمْ، فَثَبَتَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ بِظُهُورِ الْمُعْجِزَةِ السَّابِغَةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>